جمعة شنب - فيضان.. قصة قصيرة

اتّفقَ أهلُ الحلِّ والعقد في مدينة الذّرى الشاهقة على أن يعتليَ بعضهم بعضًا، في كلّ تفصيلٍ دقيقٍ وغيرِ دقيق..
ومنذ أربعين عامًا، غدت مباني المدينة على هيئة مكعّباتٍ متربّعةٍ على منبسطاتٍ، وعاش الناس في الأسفل مستورين راضين بما قُسِمَ لهم، فيما هنأ الأعلون بما تحصّلوا عليه من جرّاء القسمة هذه..
لكنّ ما خلخل السّتر، الّذي جلّلهم خلال أربعة عقود، هو ما حدث الأسبوع الفائت، حينَ - بغتةً - اندلقتْ مجاري الصرفِ الصحّي العائدة لأهالي المدينة العلويّة، فأغرقتْ مُنبَسَطاتِ أهالي المدينة السفليّة، الّذين اشتغلوا، على مدار السّاعة، في إزالة آثار هذا الفيضان المفاجىء الذي عكّرَ صفوَهم، فأصيب كثيرٌ منهم بأمراضٍ صدريّة، وكاد يسقط أكثرُهم صرعى الإجهاد..
لكنّ أهالي المرتفعات المكعّبة، كانوا يعيشون بصورةٍ طبيعية، ولم تحدثْ تغييراتٌ في عاداتهم الغذائيّة، بحيث تقلّ زياراتهم المتكرّرة إلى بيوت خلائهم، لا بل إنّهم، لمّا تناهى إلى مسامعهم خبر تدفّق مصارفهم على الناس القاطنين دونهم، ضاعفوا عدد مرّات الاستحمامِ، من مرّتين إلى أربعِ مرّاتٍ يوميًّا، واحتاطوا على بنادقِ قنصٍ متطوّرة بمناظيرَ دقيقةٍ، بحيث يكون بمقدور أيٍّ منهم التصويبُ والقتْلُ، دون أيّ احتمالٍ للخطأ، كما إنّهم احتاطوا على بعضِ القنابلِ الّتي تشبه حبّاتِ الرمّان، والّتي بمقدورهم رميُها بين الأعداء، فتنفرط حبّاتُها، وتأتي عليهِم إذا ما قرّروا الزحف جماعاتٍ إلى أعلى..
عندما طفحت البيوت التحتيّة، وغدت خارجةً عن السيطرة، ولمّا كانت مياهًا آسنةً وفضلاتٍ آدميّة، بحيث تغدو مهاراتُ السباحة معها غيرَ ذاتِ جدوى، وراح الناس يجأرون بالشكوى ويهمسون بأمورٍ حرامٍ، انعقدَ مجلس الحلِّ والعقد بعد أربعة عقودٍ كاملة، وقرّر إغلاقَ المدينةِ، والبدءَ بالتخطيط لمدينةٍ أخرى أكثرَ حداثةً، وهو الأمر الّذي يتطلّب سبعين شهرًا حسب مهندسيهم، على أن تُغلقَ المدينةُ عند الثامنة من صباحِ الغد..
وبالفعل، وعند الثامنة، كان الكلّ الفوقي، يجلس على أكتاف الكلّ التحتيّ، ويدلّون أرجلَهم بترفٍ غير خافٍ، ثمّ راح الجميع يفكّرون: "سبعون شهرًا مدةٌ ليست بالطويلة ولا بالقصيرة".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى