د. وفاء الحكيم - حَوَافِــرُ الخَــيْــلِ.. قصة قصيرة

لِمَاْذَاْ كُلُّ هَــذَاْ الْأَرَقِ – يُـشِــعُّ من عينيكَ الحالمتَيْنِ، والأشياءُ كُلُّها قد استسلمتْ طَوْعَاً، وَكَـــرْهَـــاً لَكَ..؟!
الليلُ شهوتُكَ المُعَتـَّـقَةُ
والصحراءُ متراميةَ الاتجاهاتِ أمامَكَ وداخلَ روحِكَ المتوثبةِ التي لا تهدأُ أبداً إلى ركودٍ اعتياديٍّ أو فلسفةٍ مُهَادِنَةٍ.
والإمارةُ كلُّها دانَتْ بالولاءِ لك ، ولحدِّ سيفـِـكَ وانحنتْ لهمجيَّةِ النَّزَقِ في عينيكَ، وشاربِكَ الكثِّ الذي يُشِعُّ رجولةً مؤثرةً، ووعيداً مُسْتَتِراً.
الأطرافُ كلُّها تتصارعُ فيما بَيْنَها تحتَ السَّطْحِ حتَّى إذا تَراءى للسمع قيامُكَ برحلةٍ ليليَّةٍ أو تفقدٌ مفاجئ، أوقفتَ الصراعَ، وأعلنتَ أهازيجَ الابتهاجِ بقدومِكَ.
الأعداءُ- انتصرتَ عليهم.!
خرجتَ من المعركةِ أكثرَ رغبةً في القتالِ وكُرْهَاً للمَكْثِ على راياتِ الانتصارِ. وحديثٌ يمسُّ شغافَ الانتماءِ- بأنَّكَ كنتَ تحرسُ بوابتَنَا الشرقيَّةَ من مُدَاهَمَةِ الأعداءِ، وأنَّكَ كنتَ لنا دِرْعَاً واقياً، حَمَيْتَنَا من شَـرِّ هجماتٍ، ومُنَاوَءاتٍ لا طائلَ- لنا- بهـا.
فلماذا كلَّما حَــلَّ المساءُ يُجافيكَ النومُ، وتُمْضِي ساعاتِـكَ ســاهماً شارداً ، وكأنَّكَ تخايلُ فكرةً بعيدةً تتأرجحُ في الهواءِ لتراوِدَكَ عن صمتِ المُحارِب!!!
تنزعُ عنكَ بقايا امرأةٍ وعطرٍ، ترتَدي ثيابَـكَ وتهبطُ درجاتِ السُّــلَّـمِ حتَّى تصلَ إلى آخرِ درجةٍ – فتجلسُ عندَهَـا.
بهدوءٍ زائدٍ تشعــلُ "غليونَك"، وأنتَ تتأمَّلُ الحراسَ ، وتُــومِئُ لهم بيدَيْــكَ أَنْ يذهبوا بعيداً ــــــ حتى لا تراهُم يتحركونَ أمامكَ ــــ فَــيُبَـــعْــثـِــرُونَ أطيافَ الفكـــرةِ.
تمـــدُّ عينيكَ ، وتُــطِــيــل الــتَّـــحْــدِيقَ إلى مدىً بعيدٍ... حتى تصلَ إلى تلك القبيلةِ هناكَ، فيصيبَكَ الــتَّـــوَتُّـــرُ، توتـــرٌ هادئٌ ، وحَذِرٌ.
توترٌ مراوِغٌ ونابضٌ ..!!
أما زلتَ كما أنتَ عاشقٌ للذي يؤلمه.؟ أما زالت نقطةَ ضعفِ هذا القلبِ ؛ هي تلك الذكرى ، وتلك المرأةُ التي تمكثُ بعيداً في تلك القبيلةِ البعيدةِ ، امرأةٌ عربيَّةٌ لكنَّها ليستْ كَكُلِّ العربياتِ لجِيدِهَــا سطوٌ ، ولخَفَـــرِ عينيها لذةٌ حسيَّةٌ بوهيمية ، لكنها تحملُ معاني السُّــمــوقِ والَّلــوعَــةِ حَدَّ البكاءِ . وكلَّما بعثرتْــكَ الحربُ.. تأتيكَ لتسألَ عنكَ , وأنتَ تَــــلِــيـْـنُ بين يديهـــا – حدَّ الـــرَّجاءِ.
أهلي يريدونَ بعضَ الماءِ ... فتعطيها .
أهلي يريدونَ بعضَ المالِ ... خُذِي من خزائِنِنَا ما تشائينَ .
تمرُكَ جميلٌ ، أَمِّــنْ نخيلكَ الباسقِ ؟؟ كُلِى مِــنْ يــدي .
أهلي يريدونَ بعضَ الذخيرة ، وإنْ أردتَ منها شيئاً تأخــذْهُ متى شِــئْتَ!!
أيُّهَــا الحراسُ.. جهِّــزُوا لهــم جيوشَهَــمْ بأفضلِ ما عندَنا من ذخيرةٍ.
تغــضُّ الطَّــرْفَ وأنتَ في حضرتِهَــا ، وكأنَّكَ طفــلٌ يسترضِي أمَّــهُ الغاضبةَ ، أو كأنَّك أبٌ يَسْــكُبُ تحنانَاً لن يسكبَهُ أحدٌ غَــيْرُهُ.
وإذْ تَهُـــمُّ بالانصرافِ.. تقومُ بتوديعِهَا عند البابِ . حتَّى يستوقفَكَ – وزيرُكَ.
سيِّدي إنَّك مشغولٌ بالحربِ ، وهناك أمورٌ كثيرةٌ لابدَّ أَنْ تُــطْــرَحَ للنقاشِ.. !!
أرجئْهَــا إلى غَــدٍ
سيِّدي ...أنتَ ذاهبٌ للقتالِ غَـــدَاً .
إذنْ بعــدَ غَــدٍ، أو بعدَ بعدَ غـــدٍ
وإذْ ينتهي القتالُ يزدادُ حزنُكَ ، ومَلَلُ المُــكْثِ على تحريكِ العساكرِ الخشبيةِ على رُقعة الشطرنج
سيِّدي .. إنَّهم لمْ يكونوا ـــ عَــوْنَــاً لنا ــــ في الحربِ...!
وهل كنَّا في احتياجٍ لهم...؟!
سيِّدي.. إنهم يتصلونَ بأعدائِكَ، وبينهم وبين أعدائِك علاقاتٌ..!
مهادنةٌ لصالحي ليس إلَّا ..
سيِّدي إنَّ آبارَ نفطِكَ قد نَضُبَتْ ، إذ راحوا يبنونَ سُــدُودَاً وقنواتٍ تحيلُ السريانَ إلى اتجاهٍ آخر، ليصبَّ في قلبِ أراضِيهم..!
إنك تهذي .!
انتبهْ لنفسِكَ ، ولا يغرنَّكَ العِــشْــقُ .
إنها وكلُّ قبيلتِها- قطعةٌ من كبدي .. فكيفَ تريدُنِي أنْ اقترحَ العقابَ ، وأنا لم أفكرْ في الاتهامِ .؟
إذنْ اذهب إليها واستفسر.
إنْ عقلتَ الإجابةَ اغفــرْ، وانْ أحسستَ بوخــزِ الغدرِ اُسْطُ
ماذا تقول أجننت ...؟
اقتراحٌ فكِّـــرْ بِهِ جيداً وعلى مَهَـــلٍ
شيءٌ من بعيدٍ يناديكَ .....
أنْ تكسرَ هالةَ التصديق. أنْ تلقيَ بحجرٍ في بُحَيرةِ الثــقــةِ الراكــدةِ .. شيءٌ ما يبحثُ عنكَ ، وتبحثُ عنهُ ، أيُّـهــا المحاربُ الذي ألِفَ الحربَ، وألِــفَــتْــهُ ... وخرج من الحرب مؤمِنَاً بأنَّ في كلِّ لحظةِ أمانٍ لحظةَ خطرٍ !! شيءٌ ما ـــ عَــلَّـمَتْهُ الحربُ لك أنَّ لحظةَ هدوءِ المحاربِ هي لحظةُ انقضاضهِ على الأشياءِ ، و لمْ يكنْ ببالكَ فـكــرةٌ محدَّدَةٌ إذِ اْمتَطَيْتَ الحصانَ وأعطيتَهُ الإشارةَ فأسرعَ الحصانُ وصَهَــلَ .. وصهلتْ بداخلك ثورةُ المواجهةِ، لتكسرَ غُلالَةَ الغفلةِ الرائعةِ .. كنتَ قد قررتَ أنْ تلقاها لتسألَها.. فقطْ لتسألَها .. تحتمِي بعلاقةٍ كنتَ من فرطِ عشقِــكَ تتخيلُها أبديةَ المعنى، والحصانُ حافرُهُ ينغـــرزُ في الرِّمَالِ فيُهِــيــلُ الترابَ، والأعاصيرَ على خُــطْــوَتِــكَ . كنتَ تحــسبُ أنَّ كلَّ مَــنْ يأتي إليك فيعرفُــكَ ، سيوقدُ لكَ النَّارَ لتتقـــدَّمَ
رحتَ تسألُ عنها شيوخَ القبيلة ، وأطفالَها عَـــلَّ أحدَهم يدلُّك على خيمتِها، لكنَّها كشفــتْ عن اختبائِها فجأة..!
عيناهــا في عينيكَ .. و رعشةُ شفتَيْهَا تَمُــدُّ حبلاً سرى بينكما..!
لكنها مسرعةً وعلى حينِ غفلةٍ منكَ صَوَّبَتِ البندقيةَ على قــدمِ حصانِكَ
فانكسر حافرُه ُ، وتمزَّقَ طوليَّاً وعرضياً، وانسكبتْ دماءٌ غزيرةٌ .
الحصانُ يتألَّـــمُ. وأنت على ظهــره مأخوذاً من هــولِ المفاجأةِ
لم تعطِكَ الوقتَ لتفسرَ سببَ زيارتِكَ..!
إذ بصوتٍ جهوريٍّ ... أَعْلَنَتْ انتهاكَكَ لحُرْمَتِها .
إذ- بغضبٍ مزيَّفٍ أَعْلَنَتْ احتياجَهــا للمعونةِ من غــدرِكَ الفاحشِ
إذ – بسرعةِ البرقِ طالبَتِ العشائرَ أنْ يأتوا لنجدَتِها !
وَسَقَطْتَ – أنت - في كبرياءِ الصمتِ ، فلمْ تدركْ أنَّ الحصانَ لمْ تعـــدْ بهِ قوةٌ ليسافــرَ بك في طريق العودةِ ، إذْ أنَّ جزءاً من حافــرِهِ قد سقـطَ والجزءُ الآخرُ مازال – منغرساً – بلحمِ القَـــدَمِ .
وإذِ الحصانُ يبكى وأنتَ ســـاهِمٌ .. والليلُ حالكٌ
كانَ المُهَـــرْوِلُــونَ لِـنَجْــدَتِهَــا قد اتَّخَــذُوا أَمْـــرَهَـــمْ بأَنْ يَــسْــلُــبُــوكَ عَــرْشَـــكَ .

دكتورة/ وفاء الحكيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى