بن علوش حورية - تداولية أفعال الكلام وجدلية التفاعل في الخطاب المسرحي دراسة في نماذج

مقدمة:
سنحاول في هذا البحث تسليط الضوء على أحد الفنون النثرية وجنس من أهم الأجناس الأدبية الراقية وهو المسرح الذي استطاع أن يتبوأ مكانة مرموقة نظراً إلى دوروه الريادي وقوة تأثيره خاصة في الجانب اللغوي الذي يلعب أهم دور في العملية.، ذلك أنه يجمع بين المتعة والتأثير والفرجة مما يساعد في تنمية القدرات والمدارك اللغوية، أما في ما يتعلق بمضامينه اللغوية والتداولية فتختلف من مستوى إلى آخر فهو يشكل اللبنة الأساس في بناء جيل واعٍ سوي ومتوازن ، وهذا الاهتمام سيتم من خلال دراسة تطبيقه على الجانب الجمالي في الخطاب المسرحي للمسرحية المقتبسة من روايات محمود المسعدي
يتضمن هذا التوجه البحثي البعد التداولي في الخطاب المسرحي لنص " السد" إعداد توفيق بكار يهدف هذا البحث إلى كشف الأبعاد التداولية في الخطاب المسرحي:
انطلاقا من دراسة مدونة بواسطة النظر في البعد التواصلي الوظيفي للحوار في المسرحية انطلاقا من تحليلات و مفاهيم تداولية كأفعال الكلام التي أسس لها ( سيرل) و ( أوستن) وكذلك متضمنات القول المضمرة بين ثنايا الحوار المسرحي والبحث عما يحيط بالعملية التخاطبية أو التبليغية من زوايا المتكلم و المتلقي و السياق و المقاصد .
ظهرت التداولية بوصفها نظرية نقدية تعالج ظواهر أدبية وثقافية وفنية من جانبها اللساني التداولي، وهي بهذا تسعى إلى دراسة الخطاب الأدبي وربطه بسياقه التواصلي ، بواسطة التركيز على أفعال الكلام فضلا عن عنايتها الكبيرة بوضعيات التلفظ والمقصدية ووظائف الكلام في النص أو الخطاب متجاوزة بذلك كثيرا الأسئلة البنيوية والدالية ،كذلك التداولية تدرس العلاقة التي تجمع المتكلم بالمتلقي من حيث سياقها انطلاقا من المعرفة والاعتقاد لهذا عرفت بالمقاربة التواصلية
والخطاب المسرحي من بين الخطابات التي كانت ميدانا خصبا للتداولية، كونه المسرح فنا متداولا يستمد أحداثه من الواقع غالبا لذلك تسعى إلى الكشف عن الرسائل التي يتضمنها الخطاب المسرحي بعده الفني التواصلي بدرجة الأولى ونظر في سياقه الخارجي الذي يكونه متجاوزة بعده اللغوي إلى بعده أثناء الاستعمال أو الإنجاز خطاب حيوي تفاعلي متجدد وليس مجرد معاٍن جامدة والإشكالية المطروحة هي: كيف تشتغل التداولية على الخطاب المسرحي؟
1ــ تعريف التداولية:
نجد أن التداولية تتداخل مع مجموعة من العلوم الأخرى مما جعل كل باحث ينطلق من مجال تخصصه، إن تقديم تعريف للتداولية يلم بجميع جوانبها ويشملها أمر من الصعوبة بمكان ذلك أنها مبحث لسان جديد، ونظرية لم يكتمل بناءها بعد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجدها تتقاذفها مصادر معرفية جديدة إذ لكل مبدأ من مبادئ التداولية مصدر انبثق منه.
أــ لغة: ترجع كلمة التداولية في أصلها العربي إلى الجذر (دول)، وله معان مختلفة لكنها لا تخرج عن معاني التحول والتبادل فقد ورد في معجم أساس البلاغة للزمخشري: " دول: دالت له الدولة، ودالت الأيام بكذا وأدال الله بني فلان من عدوهم، جعل الكثير لهم عليه ... وأديل أسبقية المؤمنون على المشركين ، وأديل المشركون على المسلمين يوم أحد... والله يداول الأيام بين الناس مرة لهم ومرة عليهم، وتداول الشيء بينهم...".(1)
ب ــ اصطلاحا:
بالرغم من أن التداولية مبحث لساني جديد ، إلا أن البحث فيها يمكن أن يؤرخ له منذ القدم حيث كان يستعمل المصطلح تداولية باللاتينية، وبالإغريقية بمعنى ( عملي)، ويعود الاستعمال الحديث والحالي للتداولية (pragmatique) للفيلسوف الأمريكي كارلس موريس عام 1938م في كتابه (أسس نظرية العلامات) الذي تأثر بالعقيدة الفلسفية الأمريكية البراغماتية ( الذرائعية). ففي تعريفه للتداولية يقول: " التداولية جزء من السيميائية التي تعالج العلاقة بين العلامات ومستعملي هذه العلامات".(2)
جاء في لسان العرب"خطب فلان إلى فلا فخطبه و أخطبه أي أجابه، والخطاب والمخاطبة: مراجعة الكلام وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطاب وهما يتخاطبان"(3):
» هذه التداولية جزء من السيميائي العلامات وهي تعالج العالقة بين العالمات ومستعمليها.(4)
فمن التعريف اللغوي يعني الخطاب الكلام المتداول بين المتكلمين.
2 تعريف الخطاب:
عرفه الآمدي " الخطاب اللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه"ويعرفه أحمد المتوكل بقوله الخطأ يوحي، أكثر من مصطلح النص بأن المقصود ليس مجرد سلسلة لفظية (عبارة أو مجموعة من العبارات) تحكمه قوانين الاتساق الداخلي (الصوتية،والتركيبة، والدلالية، و الصرف) بل كل إنتاج لغوي يربط فيه ربط تبعية بين بنيته الداخلية وظروفه المقامية (بالمعنى الواسع).(5)
3 ــ أنوع الخطاب:
وللخطاب أنواع أو أنماط عديدة، منها ما يتعلق بغرض الخطاب كالخطاب السردي أو الخطاب الوصفي أو الحجاجي... وغيرها ومنها ما يرتبط بنوع المشاركة كأن يكون حوار أو مجرد منولوج، وأخرى تتعلق بطريقة المشاركة مباشرة كانت أو غير مباشرة إلى جانب نوع آخر بالخطاب يتعلق بنوع قناة تمريره كأن يكون شفويا أو مكتوبا، أو غير ذلك من الأنماط.
واستعنا في المداخلة بنوع من أنواع الخطابات التي تكتنفها الكثير من الإشكالات سواء في تحديد مفهومها أو في كيفية دراستها ، والتي تتمثل في الخطابات المسرحية.
أــ تعريف المسرحية: إن الفعل الأدائي أو المسرحي تأكيد على خصوصية المسرح من غيره من فنون الأداء الواقعي لذا فالمسرحية تعني "فن أو تقنية تحويل النص إلى خطاب مسرحي محمل بدلالات كثيفة تنفتح عن مجالات أبعد من حدود السرد "(6) أو بعبارة أخرى إنها توظيف ووعي بمفردات بعناصر العمل المسرحي المادية المجسدة بكل ما يتوفر عليه من إيحاءات ومعطيات خارجية أي ما يتعلق ببنية النص من الخارج
إذن فالمسرحية تعمل على نقل النص المسرحي من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل ، أي من النص المكتوب إلى العرض .لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل المسرحية نسخة من الحياة الواقعية أم أنها مجرد محاكاة لها ؟. وذلك ما سنراه في مسرحية السد لمحمود المسعدي
ب ــ إشكالات تداولات المسرح :
يعد الاهتمام بالبعد التداولي للمسرح حديثا جدا يمكن ربطه زمنيا بعقد الثمانينات ، فجل الدراسات المنجزة في السياق الثقافي الغربي تعود إلى هذه الفترة ،إلا أنها لاقت إشكالات عديدة أهمها
1.الإشكال الإبستمولوجي
2.الإشكال النظري
3.الإشكال الإجرائي
الابستيمولوجي :وهو الإشكال الذي يركز على النص المسرحي من خلال ماي لي :
ما طبيعة العلاقة بين المسرح والتداولية؟ وأي منهما يستمد نمذجة من خلال استعمال الأخر؟ هل استخدمت التداولية وسيلة لدراسة الخطاب المسرحي، أم أنها استعملت للتلفظ المسرحي كنموذج تفكر به في مختلف القضايا اللغوية التي تدرسها وهذا الإشكال توصل إليه دومنيك مان قنو، وما يدعم قوله هذا أن المقاربات التداولية تتناول الخطاب الأدبي بصفة عامة والخطاب المسرحي بصفة خاصة ونظرا لتعدد مفاهيم التداولية و درجاتها المختلفة
الإشكال النظري:
أي شكل من أشكال التداولية يمكن توظيفه في إطار نظرية المسرح؟ هذا دون أن ننسى الإشكال الثالث و المتمثل في الإشكال الإجرائي؛ ذلك أن التداولية في مقاربتها المتعددة استطاعت توظيف النص الأدبي المسرحي دون أن تتمكن من اختراق منطقة العرض ،فتتجه التداولية اللسانية نحو أخذ النص الدرامي وحده بعين الاعتبار مقلصة العرض إلى نص خطابي ، كما يستحسن إذن اختيار الروابط المنطقية والتي استعملت من لدن الممثل الواحد و الخشبة لمعرفة ماذا غيرت في الروابط المنطقية للنص
ونتيجة لهذا الإشكال توقفت المقاربات التداولية عند حدود النص الدرامي ،و لم تتجاوزه إلا في حالات قليلة،وذلك من خلال المقاربة السيميائية التي اهتم فيها أصحابها بدراسة العلامات المسرحية (كالممثل وصفاته الجسدية،والعلامات المصاحبة... ،والبحث عن مساهمتها في صياغة الدلالات الاصطلاحية ،والاجتماعية، والثقافية...إلخ .
ولكن على الرغم من هذه المحاولات إلا أنها لم تستطع أن تخرج من دائرة النص الدرامي.
4 البعد التداولي للخطاب للنص المسرحي من خلال أفعال الكلام:
تعد نظرية الأفعال الكلامية من بين النظريات التداولية التي كان لها صدى كبير في مجال الدراسات اللسانية بالخصوص، وقد أسسها الفيلسوف الانجليزي أوستين "AUSTIN" الذي يرى أن وظيفة اللغة الأساسية ليست إيصال المعلومات و التعبير عن الأفكار، إنما هي مؤسسة تتكفل بتحويل الأقوال التي تصدر ضمن معطيات سياقية إلى أفعال ذات صبغة اجتماعية" (7).
وانطلق أوستين في تأسيس هذه النظرية من انتقاده للرأي القائل أن اللغة تهدف بالخصوص إلى وصف الواقع، وأن وصف شيء معين لا يمكن له أن يخرج عن إطار الخطأ و الصواب ويؤكد أن هناك بعضا من الجمل لا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب، أو تصف الحالة الراهنة أو السابقة وإنما تغيرها أو تسعى إلى تغييرها كجمل: الاستفهام، والتعجب، والأمر، والنهي ... الخ.
وتهيكل في أربع لوحات ،بواسطة البحث في الأفعال الكلامية انطلاقا من تقسيم سيرل كونه الأبسط والأنسب في المسرحيات التراثية ، ثم نتناول كذلك متضمنات القول بحكم غلبتهما على نص المسرحية. الأفعال الكلامية :
تعددت الأفعال الكلامية في نص وهذا يوحي والى أن الكاتب يسعى للوصول إلى غايات متنوعة إثباتيه، وتوجيهية ،وتعبيرية.
وقد جاءت الأفعال مباشرة تارة و تلميحية تارة أخرى؛ فقد حملت المتلقي على الاقتناع وأثرت فيه وجذبت انتباهه إلى الأفكار التي أراد المؤلف أن يوصلها من خلال هذا الحوار فهو ليس مجرد خطاب بل يحمل بين طياته فلسفة وجودية يصعب للمتلقي العادي استعابها فجمالية الخطاب هنا تكمن بين المزج بين الفلسفة العالم الواسع والأدب ومن بينها ميمونة:"لا يا غيلان إنما هو ثُقل الظهر فامتد العنق وارتفع الرأس،كذا الدواب جميعا إذا انقض الحمل ظهرها...وكذا العباد"(8)
كما نجد أيضا غيلان في قوله لميمونة: " لا يا ميمونة بل الكفر بالنواميس والحدود والعراقيل،وإنكار العجز والإسلام ،ونفي العدم،وهو الإيمان بالفعل وأما خطوطك المطلقة،ومرمرك الصلب ،وحساباتك ،وما استبد من سجون النفس والقوة والعقل،فسنجلها دخانا نرسله إلى السماء" (9)
أفعال الإثبات:
وأفعال الإثبات تتمثل في التحديد، والتأكيد، والوصف ونجد منها،على سبيل التمثيل بقول غيلان:"الذئب هو صوت هذه الأرض فهي عليلة تشكو الوجع على صوت حيوانيتها،وأنبيائها وفرقعة صخورها في الليل وحفيف طيرها في الليل"(9)
أفعال التوجيه:
وهي تلك الأفعال التي تهدف إلى حمل شخص على القيام بأمره والطلب والأمر.كقول ميمونة "لا تتصنع يا غيلان الطمأنينة ولا تتصنع رضى النفس، لا تمار إنك الضعف والخلاء والجبن"(10)
فميمونة تكشف خبايا غلان رغم ما يبدو عليه من قوة وتصميم إلا أن داخله واضح بنسبة إليها وشفاف لا يمكن تزييف مشاعره أمام ميمونة فهي تطل منه الصدق وتنهاه عن ممارتها فضعفه واضح فهي توجهه إلى الحقيقة والبحث عن الوجود الحقيقي في داخله دون الهروب والجبن أمام ذاته
أفعال الوعد:
كقول ميارى:
" سنخلق الرياح العواصف
سنخلق الرعود الزلازل
وننشئ السد"
وسننشئ الحب"(11)
أنها تعد بالحب الحق الذي يعصف كالريح ويزلزل الكيان كالرعد ولتبني سد المحبة الحقيقي الحب الذي يبدأ من البشرية ليكمل في حب الله
الأفعال التعبيرية:
وهي تعبر عن حالة نفسية ما كالغضب تقول ميمونة لغيلان "إنك يا غيلان للعتيُ وكِبر،وللخلاء والجبن، وإنك الثور يزعق خوارا إلى يوم يخصى ،فإذا خصي ذل وأُمسك"(12)
الفعل الكلامي الجامع:
يحتوي الخطاب المسرحي أحداث متنوعة في رغبة الفهم والاستكشاف لهذا الكون ،و إستعابه فكرة الوجود من خلال فلسفة بناء السد فالهدف تنوير العقول بضرورة التخلي عن بعض العادات البالية ومحاربة الجهل وتقديس السلطة ، ومحاولة نشر الوعي والرقي والتطور ومحاربة الكسل الفكري وتبين فلسفة الحياة بأسباب وجود الإنسان ووجود الكون وسر الحياة بكل أقدارها ومساراتها ، كذلك أن المجتمع الجاهل يحول الحق إلى باطل والظالم مظلوما.
شروط النجاح:
لكي ينجح الفعل الكلامي لا بد من توافر قواعد أساس منطقية من التهذيب فالمتخاطبون يختلفون من حيث مقتضى الحال أو قانون التأدب والمكانة الاجتماعية الجنس والسن والنفسية غير أن هناك من يخترق هذا القانون لسب ما.
متضمنات القول:
رغم غلبة مباشريه الخطاب على نص ، إلا أنه لم يخل من متضمنات القول التي جعلته يحقق تفاعلا جيدا ولعل ما وردمنها ما يأتي الاقتضاء: ظهرت كثير من الملفوظان المستقلة عن السياق الذي قيل فيه.
الأقوال المضمرة:
وكانت أكثر ضمنية من باقي الأفعال وأنتجها السياق وظروف ّخلت معطيات خارجية أحاطت بالخطاب في تفسيرها ومنها : وملابسات الكلام
الحوار المسرحي:
تقوم دعائم الخطاب المسرحي على الحوار الذي يوظف فيه المتخاطبان كل طاقتهما الفكرية، و الجسدية في كثير من الأحيان. ومن الدراسات المتميزة في إطار التداولية المسرحية ما قامت به"آن أوبرسفيلد" و "أوركيوني" بتطبيقهما لنظرية أفعال الكلام على الخطابات المسرحية، حيث توصلت أوبرسفيد إلى أن خصوصية التلفظ المسرحي تتجلى في تراكب وضعيتين للتلفظ هما: وضعية التلفظ التخيلي، ووضعية التلفظ ألمشهدي (فوق خشبة المسرح)، وإن الكتابة المسرحية الحديثة تولي اهتماما كبيرا لصراع الأفكار ولعواطف، التي تنتج عن صراع الأفراد والجماعات.إذا فالمسرح يوظف بصفة خاصة الخطاب العادي (اليومي) لإظهار الحركية الخاصة للعلاقات الإنسانية بالطريقة التي تتجلى فيها استراتيجيه أفعال الكلام.
في حين هناك من يذهب إلى القول أن أفعال الكلام في المسرح ما هي إلا مجرد تمثيليات لفعل الكلام في الواقع، لان حوارها خيالي وليست له أي صلة بالواقع، غير أن هذا القول مردود على أصحابه لأننا نرى أن عناصر الفعل الكلامي كـ (الفعل التلفظي) متحققة دائما، فبمجرد أن يتلفظ المتكلم بقول فهو أنجز فعلا، ولو كانت الوضعية الخطابية غير حقيقة، فحينما يقول أحدهم أتوقف عن فعل ذلك الشيء، فإذا توقف بالفعل يكون قد حقق من جراء ذلك فعلا رغم كون الوضع الخطابي خيالي.
و المتكلم قبل أن يتكلم يطرح على نفسه مجموعة من الأسئلة من النمط الآتي: من أكون لأتلفظ بهذا القول؟ ما مقام الشخص الذي أخاطبه بهذا الأسلوب؟ لماذا أقول له/ يقول .. وغيرها.
ومن نماذج ذلك في المقطع:
ميمونة : ها قد وصلنا يا غيلان
غيلان :ها قد وصلنا وانقطع الرحيل
هي :لكن وصلنا يا غيلان آخر العشي،أنظر المس تغرب
غيلان: ومع ذلك ونزلنا بالخيال وحللنا بما كنا نتمنى ،وانتصبنا وقر القرار"(14)
فمعظم الأسئلة التي تطرح في هذا الحوار هي أسئلة ضمنية وجودية تبدأ ببداية الرحلة للإنسان وتنتهي لا محال بالوصول الذي هو أمر محتوم في أي رحلة وهذه هي التساؤلات التي تطرحها الرحلة عن وجود الإنسان.
3ــ شروط النجاح:
لضمان نجاح الفعل الكلامي بين المتخاطبين ينبغي توفر القواعد التأسيسية التي نادي بها (غرايس)، لكن هناك من أطراف الكلام من يخترق قانون التأدب الذي أكدت على أهميته (روبين لاكوف)، وراح يمارس سلطته على الآخرين من خلال خطابات تجسد الفرق بينه وبين الآخرين، وهذا النوع من الخطاب يبرز في كلام الحارس حين قال احنوا رؤوسكم وادخلوا
هذه الأوامر وجهها الحارس للناس الحاضرين لأنه يملك السلطة عليهم فهو يخترق قانون التأدب الذي يؤكد على أهمية إظهار الود إلى المرسل إليه.
4ــ الاستلزام الحواري:
كما هو معلوم أن اللغة ليست وسيلة التعبير عن الأفكار أو توصيل المعلومات فقط ، بل هي سبب في تحويل الوضعيات لجعل الآخر يعرف بالنوايا التداولية للمتكلم وما أراده الكاتب في هذا النص من خلال تداولية الكلام هو إيصال فكرة النص المبنية على الأسطورة أولا والبناء الفكري واثبات الوجود الإنساني من خلال البناء من العدم وفي العدم أي وجود غلان وميمونة في الصحراء بلا أساسية الحياة وتصميم غلان على بناء سد في وسط الصحراء كهدف لم يأتي من العدم بل أراد الكاتب من هذه الفكرة على قدرة الإنسان على أثبات قدرته وتحديه في الحياة وعدم الاستسلام ، وانطلاقا من ذلك تلعب الأفعال الكلامية دورا في تحويل مقاصد ومعتقدات المتكلمين ،وذلك من خلال العمليات الذهنية الاستنتاجين التي يقوم بها المتكلمون والتي لا تظهر في العملية التلفظيّة

وننشئ السد
وسننشئ الحب"(15)
إن هذا الحوار في معظمه يحمل دلالة الأمل، لكن هذا لا ينفي وجود أفعال كلامية أخرى كالاستفهام وغيرها لأن العملية التخاطبية لا تقوم على فعل كلامي واحد وإنما تتضافر الأفعال الكلامية المختلفة لتعبر عن الكفاءة التداولية للمتكلمين .
الخاتمة:
سيطرت العناصر التداولية ممثلة في : الأفعال الكلامية , والاستلزام الحواري والحوار المسرحي على هذا المقطع من مسرحية السد من بداية النص إلى نهايته, وكان لهذه العناصر الدور الفاعل في ترابط النص واتساق أجزائه فغلب على مضمون التداولي الفلسفة الوجودية في تداولية الكلام من خلال المعان والكلمات وحتى الأفعال كرموز فعلية هادفة للوصول إلى الإنتاج الفكري الفلسفي من خلال الحوار الكلامي،فاللغة لم تكن سهلة بقدر بساطتها فإنزياحاتها كانت واضحة فهي فلسفية أكثر منها أدبية تحمل رمزية كبيرة من خلال الإيجاز والاستعارة وهذا ما يفتح المجال للبحث في هذا الجانب
ولقد استطاعت التداولية أن تفتح آفاقا جديدة أمام الدرس اللغوي الذي سادته الدراسات الشكلية الأولية وبيان أن اللغة مؤسسة تضمن استمرارية الأقوال أثناء الخطاب كما يستمر معها الفكر ، كما استطاعت المداخلة أن تصل إلى العلاقة بينها وبين والمسرح.
الهوامش
(1) الزمخشري، أساس البلاغة ،تح: محمد باسل عيون السود، ط1، منشورات دار الكتب العلمية ، ج1 ،بيروت لبنان 1998، ص 303.
(2) عمر بالخير ،الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية،ط1 ، منشورات الاختلاف الجزائر ،2003 ص 155. لسان العرب ابن منظور دار صادر بيروت لبنان، ط1، ج2، 1997، ص 275.
(3) ابن منظور،لسان العرب،
(4) الآمدي ، أبو القاسم : الموازنة ، تحقيق السيد أحمد صقر ، ج1،دار المعارف . مصـر 1961، م
(5) فرد ب مليت ، جيرالدايدس بنتلي، فن المسرحية، تر:صدقي حطاب ، دار الثقافة ،بيروت ،1986. (6) مسعود صحراوي: التداولية عند العرب دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي ص 19.
(7) ألمسعدي ،السد ،تقديم توفيق بكار ،دار الجنوب لنشر، تونس ، ص:49.
(8) المصدر نفسه،ص34 .
(9) المصدر نفسه،ص23
(10) المصدر نفسه،ص56
(11) المصدر نفسه،ص56.
(12) المصدر نفسه،ص51.
(13) المصدر نفسه،ص32.
(14) المصدر نفسه،ص41.
(15) المصدر نفسه،ص39.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى