عبد السلام بنعبد العالي - من التهكم إلى السخرية

«أميل إلى تصنيف الفلاسفة حسب جودة ضحكهم، واضعاً في أعلى مرتبة أولئك الذين يقدرون على الضحك الذهبي».
نيتشه
«الذين يقرؤون نيتشه من غير أن يتملكهم الضحك، الضحك الشديد، الضحك المتواصل، هؤلاء كما لو أنهم لا يقرؤون نيتشه».
ج. دولوز

ضد وقار الوثوقية وجديتها يتجند الفكر المشاغب ليفضح ما ينطوي عليه هذا الوقار من بهتان، ويكشف عما في جدّيته من خداع، كي يدفعه إلى أن يفقد ثقته بنفسه، ويُخرجه عن «صوابه». ولنا في وجوه الفكر النقدي أمثلة كثيرة على ذلك: لنستحضر الوجه السقراطي المتهكم، وضحكة الكلبيين المتواصلة، ولنتذكر تهكم ابن الرومي وسخرية التوحيدي، وقهقهات رابلي، وتأفف ديكارت من «جدية» الفلسفة المدرسية، ولنذكر كذلك تهكم كييركغارد ومرح نيتشه وسخرية دولوز. إلا أن هذه الأسماء، رغم القاسم المشترك الذي يجمعها، تظل متباعدة تباعد نيتشه عن سقراط: فما الذي يميّز تهكم الأقدمين، عن سخرية المحدثين؟
وراء التهكم ادّعاء، ادّعاء صواب ويقين، وادّعاء قوة. لذا فقلما ينصبُّ التهكّم على نفسه. ليس هناك تهكم انعكاسي RÉFLEXIF. على عكس السخرية. (يقال إن كافكا كان يضحك بملء شدقيه عندما يقرأ على أصدقائه الفصل الأول من المحاكمة). فالساخر أوّلُ ضحايا سخريته. إنه لا يطمئن إلى حقيقة، ولا يرتاح حتى إلى نفسه. أما المتهكم فهو يتصيّد ضعف الآخرين، ويحتال عليهم كي يُربكهم ويُوقعهم «في حرج من أمرهم». التهكم فنَّ توليد الأحروجات DILE

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى