مروى بديدة - حديث امرأة ميتة.. شعر

أنت يا نديمي
يا قسيم فراشي و مسرتي
حينما لا أكون معك و بقربك
تأتي إلى ضريحي متثاقلا
تجر بندم قدك التعبان
تجلس أسفل رأسي أو عند ساقي السابحتين في النهر الابدي
لا تخجل من الضوء القمري الخافت الذي يلفح شحوب جبينك
لا تعتذر عن سابق زلاتك
ما يهمك هو الآن وقتما ابتسم لك في غياهب التراب الندي
تحت قدمي ترتعد الطحالب الذابلة
و مجددا تدب في الحياة
خذني حينها في صحبة لائقة
يدك ممسكة بيدي
لقد تعبت من الوحدة هنا
بدني كان نحيلا
حتى النسور الضارية طافت فوق الجثة المسكينة و رحلت
مت في الحر و لهيب الشمس الحارقة
أما هذه التي تراها الآن
ليست اكثر من برد قارس
ليست أكثر من برد قارس !
لقد مت نبيلة ،مشعة و عبقرية
كأن الأذى لم يمسس قامتي قط
لكنني و في الداخل الموحش، الكئيب أخفيت
إنهيارا و تلاطم أمواج ،كبريتا و إضطرام نيران في الغابات الظليلة
أما ذاك الهدوء الغامض فقد كان حبك البعيد ،المستحيل .
حذو نعشي العظيم تقول أمي :
نامي في سلام ،قريرة العين
يبكي اخي بخفة و ظرافة
يعوي كلب العائلة و في مقلتيه الدمع غزيرا
أما اختي فهي فرحة لأجلي
تغني بصوت خفيض
ثم تغرق في الضحك بشفتين مطبقتين و حاجبين معقودين
آه يا تونس ! كم فيك تضورت
كم احببت لطف نسيمك و ليلاتك القاسيات
منذ البداية كنت فيك ميتة و صغيرة
نصب عملاق لشاعرة ميتة
أين هي حينما كانت حية و سليمة
أين هي؟ أين هي؟
آه يا تونس حينما و في المقبرة يرقد الجميع في سلام
و على الشواهد لا يذكرون إسمك
هذا أجمل ما يحدث
أكون غالبا ميتة قبل أن اكتب القصائد
يغلي القدر على نار هادئة
و أفتح عيني في حبور و ألم شديدين
يرفرف علمك يا بلدي مراوغا صلبا كالسهم في الدماغ

تعليقات

مروى بديدة شاعرة قادمة من جنائن افريقيا الخضراء " حارقة الاكباد"، مرتع غزلان الشعر البيضاء التي " تصعب على الصياد"، مروى تقد معجمها من لغة سليمة وقاموس ثري لا سوء فيه ، فتندلق العبارات والصور الشعرية من بين أناملها ساحرة سهلة مموسقة رائقة خفيفة على السمع تتوجه الى قارئ حصيف عالم متمرس بخبايا الشعر الجميل ، قارئ اكثر ما ينقال عنه أنه ذو ذائقة أدبية راقية وقدرة قرائية عالية
لن أقول من باب المجانية والمحاباة ، ونفاق الاخوانيات ومجاملاتهم بأن اشعار الشاعرة التونسية مروى بديدة رائعة وكفى ، بل أضيف كقارئ غير مجامل ولا متحامل بأن أشعارها جميلة جدا وراقية وحداثية..
 
أعلى