مجدي حشمت سعيد - قبل التَّلاشي.. قصة قصيرة

لا أعرف بالتحديد متى بدأ يحدث هذا لي، كل ما في الأمر أني لاحظت نقصان وزني الذي يزداد كل يوم عن سابقه، فرحتُ في البداية لهذه الميزة التي يدفع الآخرون أموالاً طائلة لدى أطباء التخسيس ويتبعون نظمًا غذائية قاسية ومكلفة من أجلها. فَرَضَتْ تلك الظاهرة نفسها على تفكيري حين بدأت زوجتي تلاحظ هذا التغير السريع في جسمي. أحسست أن ملابسي قد اتسعت عليَّ فاضطررت كل فترة إلى شراء مقاسات أصغر منها.
الغريب أني لا أشعر بأية أعراض مرضية ورغمًا عن ذلك وأمام إلحاح زوجتي المتواصل توجهت إلى أشهر الأطباء الذين أشاروا علينا بإجراء العديد من الفحوصات المعملية والأشعات المختلفة. تعجب الأطباء كثيرًا وتحيَّروا أكثر حين أسفر كل ذلك عن خلوِّي من أية أمراض معروفة. نصحني بعص الأصدقاء باللجوء إلى الطب الشعبي والدجالين فرفضت رفضاً مُطلقًا.
استمر مع الأيام نقصان وزني وزيادة قلقي وخوف أسرتي إلا أن الشيء الذي أصابنا بالرعب حقيقة هو أن الأمر لم يعد قاصرًا على وزني بل بدأ طول جسدي يتناقص أيضًا وكذا أطرافي. كان الإحساس المخيف ينتابني حين أرى نفسي أتضاءل كل يوم عن اليوم السابق. حار الأطباء بشدة في تفسير حالتي النادرة هذه ووقفوا أمامها عاجزين.
سلَّمت أمري إلى الله سبحانه وتعالى، امتنعتُ بمرور الأيام عن الخروج من المنزل من كثرة ما عانيته من سخرية الكبار والصغار على حد سواء ومن نظرات الشفقة والحسرة والألم الموجهة لي من أقرب الأقارب. كنت وزوجتي نبكي كثيرًا بعد أن كنا نضحك حين تلبسني ملابس أبنائي الصغار. جافاني النوم ليلًا ونهارًا ورافقني الحزن والكآبة طوال يومي. كان جل ما يشغلني هو ترقب لحظة التلاشي. فجأة...شملتني الراحة الحقيقية ولاح أمامي أمل الخلاص من مأساتي حين بدأتُ أحسُّ أن مُخّي بدأ بدوره في التضاؤل. العجيب أن الجميع دُهِشوا ولم يصدقني أحد عندما قلت لهم إن قلبي لم يتغير.

مجدي حشمت سعيد
عضو اتحاد كُتَّاب مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى