رجيس جوفري - بعض "ميكرو تخييلات".. ترجمة: عبد السلام بن خدة

كـــــــــانوا يطالبونها بالقبلات ، و الحكـــــايات و اللحم لما كانت تنسى أن تطعمهم .
  • لم يعد يوجد أمــــامهم سوى النوم على الدرجات ، و في المصعد ، أو البحث عن ملاذ لهم عند أي إنـــــسان .​
  • كانت تتساءل إذا ما كانت المُرَاهَقة هي الدافع الوحيد لهذه النوبات العصبية ، أم أن ابنتها كـــانت مرصودة لأن
تصبح ضمن جماعة الحمقى . كـانت تقول مع نفسها لو كان بالإمكان أن تصرف عنها كل حياة العذاب هاته بأن تهشم
رأسها بشيء ثقيل .


الشـــــــــــيكُ المُهينُ
أحب المال ،وإذا واصلتَ في جني المال ،سأستمرُ في حبك. دائما نُحب لسبب أو لآخر ، ولا نحب أبدا من أجل الحب. لو كنتُ ذميمة ،لما ميزتني من إحدى صفاقات الباب الفارقة بين الصالونين . لو كنتُ ذميمة لما نظرت تجاهي . لو كنت قد دعوتك للعشاء ، في منزلي, لكنتَ قد ظننت أنني أمازحك . و لو واصلتُ في الالحاح عليك ، لا ستهزأت بي مواجهة . إذا أردتَ المحافظة علي ،تجنبْ أن تصبح مفلسا . لم أرد منك أن تطردني ،فمصلحتي في ألا أجد نفسي عاجرة ، على كرسي متحرك ، بشلل العضلات البطنية ،الذي يُسبب سلسا (بوليا) مُعمما . مشاعرك ، فيما يخصني ، أثرها محدود جدا ، و عواطفي تجاهك ليست لا نهائية كذلك .
ـ أعيدي.
ـ ماذا؟
ـ كل ما قلتيه .
أعدتُ كل ما قلته لهُ قبل قليل . باختصار ، استظهارا . إنه ككثير من الناس ،يكره الحقيقة . قال لي إن بامكاني مغادرة المنزل . طلبتُ منه تعويضا عن السنتين اللتين أضعتهما برفقته . وقع لي شيكا مُهينا . سألته إن كان يستهزأ بي .
ـ نعم .
ابتسم ، ابتسم بفرط . بقيت هادئة . نزعت دفتر الشيكات من يده .رمى قلمه من النافذة ، و أخد يضحك أثناء بحثي ، بيأس عن قلم آخر في درج مكتبه .
ـ لم أتعودْ اللجوء إلى( استعمال) السلاح .
في إحدى العلب ، كان يرقد مسدس . يتعلق الأمر بمسدس بطلاء مقاوم للصدأ ، أردت فقط أن أُحدث صوتا . نعم ، ربما أيضا أن أخرمشه . كنت مع ذلك امرأة مهانة ، لدي الحق في أن أغضب . لم أقصد التصويب إلى الرأس . وددت فقط أن تُقدم الأعذار لي . و بعض المال أيضا ، الذي يبدو أنني أستأهله .
ـ يمكنكم أن تحكموا علي من حيث المبدأ .
شرط أن يسدد دينه تجاهي , و بمجرد خروجي من السجن ، سأحصلُ على تعويض . لم يشتر لي أبدا الشقة الموعودة, بالكاد سيارة قوة أحصنتها محدودة جدا .
ـ تلاحظون أنني أقر بأخطائي .
مهما يكن من أمر , فهو لازال حيا يرزق . هو في غيبوبة ، لكنه عجوز . ما إن يفقد المرء شبابه ، حتى يدخل في السبات بشكل غير محسوس . لو كان في العشرين ربيعا ، لقاوم بصورة أفضل . أطلقتُ رصاصة في الهواء ، كان عليه أن يركض في إثرها ، ليتلقاها في وسط جمجمته . أنا لستُ طبيبة أمراض نفسية ، لكن لي رأي في أنه يمكن أن يكون محبطا (نفسيا) أو أحمقا .
لكن لن أسامحه أبدا ، لأنه جعل مني أداة انتحاره الفاشل .


الزهـــــــايمير المُخْمَدُ الصوت

طبيب الأعصاب أكد لي ، هذا العصر ، بأنني مصاب بمرض الزهايمير . وصف لي أدوية يمكن أن تخفف من سرعة تطور المرض لمدة سنتين . حينما عدت إلى منزلي ، أعلمتني زوجتي بأنها لن تكرس وقتها لي . علي أن اقول بأنها منذ خمس عشرة سنة لم تعد تحبني ، وبقائي معها سببه الوحيد هو أنني أتمسك بتلك الدار التي أنهينا أداء أقساطها بصعوبة . هي غاضبة من ولدينا ، لم أعرف أبدا بالضبط السبب في ذلك . لكنها تمنعني من محاولة الشروع في الاتصال بهما . أخافها ، تذهب إلى حد توجيه لكمات لي حينما تكون في فورة غضب . لم يخطر ببالي أبدا أن أبادلها الضرب ، يبدو لي ـ ربما ـ أنها كانت تمد يدها على أمي .
ــ تشغل الطبقة السفلى و الطبقة الأولى .
لكنني رتبت القبو كما أردت ، حتى أنني جعلته مُخمد الطنين لأتمكن من لعب الكمان دون أن تطل علي "كسعلاء" ° و تكسره إلى نصفين على فخدها . غالبا ما أقضي هناك عدة أيام بلا انقطاع . أقتات من الخبز، و شرائح اللحم ، و الجبن ، و التفاح . لدي غلاية كهربائية ، يمكنني أيضا تهييئ القهوة
و الشربة. أذهب مرات إلى "الحي العبري"°° من وقت لآخر ، لأغير من الروتين ، و شرب كؤوس في مقهى "بــــــالطو ". كما يمكنني شراء جريدة و الجلوس على مصطبة لسماع الناس . لكنها تفضل أن أبقى في المنزل . حينما تراني أتجول في حديقتنا الصغيرة ، تفرغ علي سطلا من الماء البارد جدا كما لو أنني كنت كلبا .قد يحدث لي أن أبكي , لكن كان عليها أن تأخد دموعي على أنها مجرد قطرات ماء .
ــ كان علينا أن نكون سعداء في بداية زواجنا .
لكنني لم أعد أذكر ذلك جيدا .أعرف بأنه قد رزقنا ببنت وولد ، لكنني غالبا ما أضع رأس هذه على جسم ذاك . أو أشطر حينئذ أحدهم لأحصل على اثنين . الآن ، الكثير من السنوات قد مرت . أظن أنني لم أعد أستعمل الأدوية . إلا إذا لم تكن فتات الخبز الذي أبتلعه ، لأن لها نفس اللون ، تقريبا . أنظر إلى الكمان، لا أقدر على لمسه . في المرة الأخيرة , عند سماعها لأية دوزنة على الكمان , كانت تصرخ كما لو أنني أنتزع حبالها الصوتية .
ــ منذ بدأت أسقط على الدرج ، زوجتي أخدتها الشفقة علي . تقذف لي بالأكل من نافدة صغيرة . قالت لي بأنني أسبح في القذارة . لم ترجع أبدا . لم أعد أذكر اسمي . قريبا ، سأتعافى . لم أعد أذكر حتى من أكون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
° جنية شريرة
°° الحي العبري , الحي العربي , الحي الصيني ... {أحياء باريسية }.





============================

الكاتب رجــــــــيس جوفـــــري
كـــــــــاتب و صحافي من فرنسا . يفضل تسمية حكاياته بــ "ميكــرو تخييـــــــــــــلات " أو "حكــــــايات صغرى".
كتب المئــــــــــات من الشذرات و النصوص القصيرة جدا التي لا تتوفر على عناوين ، و التي ترسم اليومي غير المجدي
لشخصيات مختلفة ، مجهولة الاسم بدون أي رابط بينها . شخصيات جــــــــــوفري لا تتوفر أبدا على الشروط
المطلوبة ،هناك شيء ما يعكر صفوها ، بطريقة منظمة : أطفـــــــال مشاغبون ، غياب تأثير عاطفي متبادل ....
لخلق هذه المناخات يوظف الكـاتب – نحويا –"الشرطي" (conditionnel) ،مبينا ، بالتالي ، السعي الحثيث
لهذه الشخصيات إلى تلطيف الوجود ، لكن الأمل مفقود ، و الحلول هي دائما تراجيدية ( هروب ، موت...) .
مكانته الأدبية المتميزة أهلته ليحصل على جوائز مهمة منها : "جائزة دجنبر " (2003) و "جائزة فيمينا " (2005)
و "الجائزة الكبرى للدعابة السوداء ".
مــن أبرز أعماله القصصية :"شذرات من حياة الناس " (2000) و "تخييلات صغرى (2007).
أعلى