نجيب محفوظ - الشعور

يعني الشعور في علم النفس معرفة النفس لذاﺗﻬا ويكاد أن يكون شرطًا جوهريًا في كل حالة نفسية، وهو، لأنه ملازم لأغلب الظاهرات، ولأنه مألوف لدي كل أنسأن لم ينتبه إليه الأوائل لأنه ككل أمر بديهي يستدعي نضوجًا كبيرا حتى يلتفت إلى دراسته.

والفلاسفة المعروفون بالطبيعيين لم يوجهوا أبحاثهم ناحية الفكر، وساروا في سبيل دراسة الطبيعة الخارجية غير شاكين في مقدرة العقل، ولا مطمئنين إليه اطمئنان العالم المخفق، ثم أخذوا ينتبهون إلى النفس بدليل أﻧﻬم ميزوا بين الروح والمادة وتكلموا عن عقل شامل لهذا الكون، وهذا التصور للوجود ينبئ عن يقظة إلى الشعور بالنفس وملكاﺗﻬا.

وتستبين هذه اليقظة بصورة أوضح عن السوفسطائيين لأﻧﻬم آمنوا بوجود العقل الإنساني وبحثوه من نواحي كثيرة بل جعلوه أساسًا للمعرفة فقالوا بنسبية العلم وبأنه يتوقف على العالم.

وتوج سقراط هذا التطور نحو معرفة الشعور فقال اعرف نفسك بنفسك وإن كان يريد من تلك المعرفة أن يهتدي إلى قواعد المنطق والأخلاق.

وقد أنتبه أفلاطون إلى ظاهرة الشعور ولكنه كان انتباهًا عارضًا في أثناء دراسته للاحساسات المتناقضة فهو لم يطلق عليه إسمًا خاصًا ولم يوقف عليه محاورة من محاوراته الفلسفية ولكنه اقترب كثيرا من المعني الحديث للشعور وعندما ميز بين نوعين من التأثرات، تأثرات تقضي عند الأعضاء وأخرى تصل إلى النفس، فالمعقول أن وجه التفرقة يقوم على أن الأولى لا نشعر ﺑﻬا وأن الأخرى نشعر ﺑﻬا.

وكذلك أرسطوطاليس لم يسمه ولم يفرغ له موضوعًا خاصًا ولكنه عني بوصفه في أثناء دراسته للعقل والحواس، وما يستخلص من رأيه عن أن الشعور ليس ملكة خاصة مستقلة عن الظاهرات بل هو غير منفصل عنها فالعين عندما تبصر تحس بأﻧﻬا تبصر والعقل عندما يتصل بموضوع يشعر بأنه يفكر وهكذا.

والرواقيون هم الذين أطلقوا على الشعور اسمه المصطلح عليه في الفلسفة السيكلوجية، وقد عرفوه بأنه حاسة تعرف ﺑﻬا النفس ذاﺗﻬا ولما كانت جميع الحقائق عندهم مادية فقد تصوروه كاللمس إلا أن موضوعه باطني، وأضافوا إليه وظيفة خطيرة في المعرفة، ذلك أن العلم هو عملية نفسية لهضم الأشياء التي تتصل بالعقل، ونحن لا نستطيع أن نبلغ اليقين فيما نعلم من العلم إلا إذا وجهنا شعورنا نحو هذه العملية وتأكدنا من سلامتها، فيقين الشعور أساس لكل يقين عملي.

وتكاد أن تكون قيمة الشعور ثانوية في صوفية الافلاطونية الحديثة، وهي تقرر أن النفس تعرف ذاﺗﻬا وتفسر ذلك بأن النفس البشرية متصلة بالنفس الكونية والعقل الكوني لأﻧﻬا في الأصل هبطت منهما، والعقل يعرف نفسه، ومن هنا اكتسبت النفس البشرية منه هذه الصفة، والشعور الذي يمكن النفس من الإحساس بذاﺗﻬا لا يسمو ﺑﻬا إلى معرفة الله مع أن الصلة بينهما غير منقطعة فلماذا ؟ ذلك أن النفس مكبلة بأغلال الجسم، وأن الخيال يبعث بالشعور فلا سبيل إلى الله إلا بالتخلص من أوهام الشعور والحواس والجسم وممارسة الفضائل، فمعرفة الله فناء فيه إذ ينعدم فيها الشعور.

وهذا تقدير صوفي ولاشك، لأن الصوفي لا يهنأ خاطره حتى يفني في الله وينسي نفسه من ضمن ما ينسي من الاحساسات والشهوات أما عند الفلاسفة فالشعور له قيمة أخرى، لأنه الإحساس المباشر بالعالم النفسي وقد كان " عامة اليقين التي آوي إليها ديكارت بعد حيرة طويلة في غمرات الشك، لأنه بدأ فلسفته بالشك في كل شيء داخل النفس أو خارجها، ولكن مغالاته في الشك أرغمته على اليقين في الحقيقة أولى وهي أنه يشك، فلا سبيل إلى الشك في أنه يشك ومعني الشك أنه يفكر فهو إذن يفكر، ولما كان لا بد للفكر من مفكر فهو إذا موجود، فشعوره بالشك أو الفكر هو الذي هداه إلى اليقين ومكنه من إنشاء فلسفته، ولم يكن يرى في الشعور ملكة خاصة تختص بعمل خاص وإنما هو يلازم جميع العمليات النفسية وهذا ما يفهم بداهة من أن هناك شعورا بالفكر لأن الفكر عند ديكارت هو ماهية النفس فالإدارة والحس والعواطف من الفكر والذي يشعر بالفكر يشعر بجميع هؤلاء.

ومما يجب ذكره هنا أن مليرانش تلميذ ديكارت لم يقدر الشعور تقدير أستاذه لأنه كان يراه أقرب إلى العاطفة منه إلى المعرفة فهو يجعلنا نحس بالنفس ولا نعرفها معرفة واضحة، وهو لا ينكر أن الشعور يقيني ولكنه غامض مع ذلك.

ولكن استرد الشعور مقامه في الفلسفة على يد " ليبنتز " لأنه كان في ﻧﻬاية الأمر أساس فلسفته، فأنه لما اقتنع بأن حقيقة الوجود تتلخص في حقيقة الجواهر أو الذرات، ووجد أن هذه الجواهر قوى وأن النفس أيضًا قوة رجع إلى النفس يكشف فيها عن حقائق الذرات التي يتركب منها الوجود، ومن هنا جاءت أهمية الشعور عنده، ولم تكن مهمته مقصورة علي معرفة ظاهرات النفس ولكنه يتعداها إلى معرفة الماهيات الكامنة في الظاهرات.

وقد درس ليبتز حالة اللاشعور، فقال أنه يوجد عدد لا متناه من الإحساسات التي لا نشعر ﺑﻬا إما لدقتها وتكاثرها بحيث يتعذر التمييز بينها وإما لاتحادها فلا ندركها فرداي، وهذا يفسر لنا عدم الشعور الذي تحدثه العادة والألفة، كما أن إليه يرجع السر في الأذواق المختلفة والحالات النفسية الحز نية والسارة التي تتعثر الإنسان دون أن يستطيع لها تعليلا. وبقي دور الشعور خطيرا عند لوك، لأنه كان يعتقد أن التجربة أصل كل معرفة، وأن منها الإحساس وهو الذي يحمل إلينا آثار العالم الخارجي، ومنها التأمل الباطني أو الشعور وهو يحمل إلينا آثار العالم الداخلي، فجميع أفكارنا نتاج للإحساس والشعور ولكن يوجد من الأفكار ما هو مركب معقد كأفكار العلة والمدة وهذه لا يكفي الشعور في تكوينها، بل أن عمل الشعور هنا والإحساس أن قدما الأفكار البسيطة التي تركب منها النفس ما هو أعقد منها. فإذن الشعور لا يعرف الماهيات، وهذا ما ذهب إليه فيلسوف آخر من فلاسفة المدرسة التجريبية الإنجليزية وهو دافيد هيوم، فعنده أن الشعور لا يعرف إلا ظاهرات النفس وأما ما نسميه بالحقائق النفسية كالعلة والجوهر فهي أوهام يخلقها تداعى الأفكار والمعاني.

رأينا حتى الآن أن من الفلاسفة فريقًا يرون في الشعور حاسة لمعرفة حقيقة النفس وماهيتها، وفريقًا يرون قدرته مقصورة على معرفة ظاهرات النفس وأنه لا يوجد داخليتنا إلا ظاهرات مطردة وجميع الماهيات أوهام، وفلسفة كانط النقدية تحاول أن توفق بين هاتين الفلسفتين المتنافرتين فتقول أن الشعور لا يعرف النفس في ذاﺗﻬا بل يعرف ظاهرات فقط، فالنفس حقيقة موجودة ولكننا لا نعرفها إلا كما تظهر لنا فهو لا ينكر وجود الماهيات ولكنه لا يزعم أنه يستطيع معرفتها كما هي ولا ينكر الظاهرات ولكنه لا يقول بأﻧﻬا كل ما يوجد.

ولكن كيف تبدو لنا الحقائق على غير ما هي عليه؟

ذلك لأن الإحساسات التي تحمل لنا آثار العالم تترابط وتتحول إلى معرفة خلال قوانين العقل، فالعقل يشترك في تكييف الحقائق، وإذن فنحن لا ندركها في النهاية كما هي وإنما كما تبدو قوانين العقل، فالشعور يتأثر بالعقل لأنه لا يدرك حقائق النفس إلا بعد أن يصورها العقل بقوانينه.

على أنه يوجد نوعان من الشعور: تجريبي وهو يصاحب الظاهرات النفسية حتى قبل أن يؤثر فيها العقل، ونظري ويصاحب العقل في أثناء توحيده بين ظاهرات النفس والعلم الخارجي.

وقد التفت كانط كذلك إلى اللاشعور واعتقد أنه يشغل أغلب الحياة النفسية، فالتلسكوب مثلا يكشف لنا عن آلاف من الأجسام لا نحسها بالعين اﻟﻤﺠردة. وقد وجه من أتباع المدرسة الايقوسية من تصور الشعور قصورا جديدًا فنحن إلى الآن لم نصادف من الفلاسفة من اعتبر الشعور ملكة متميزة تشاهد حياتنا الداخلية من غير أن تشترك فيها أما ريد الايقوسي فيقول أننا نعرف أفكارنا وجميع عمليات عقلنا بمملكة نسميها الشعور. والشعور يعرف الظاهرات لا النفس في ماهيتها، وقد رد على قول هيوم أنه لا يوجد أغمض من أفكار القوة والعلة الخ. قائ ً لا إلى تفهم ضرورة كنتيجة لشعورنا بأنفسنا فأننا نشعر لعمليات النفسية التي توحي بأفكار القوة وغيرها.

ولكن يوجد الفلاسفة الايقوسين من يخالف ريد في تكيفه هذا للشعور وهو هملتن فعنده أن الشعور ليس ملكة متميزة، وهو لا يتمي عن الحالات التي يشعر ﺑﻬا، وقد عرفه بأنه حالة شاملة تنطبق على جميع العمليات النفسي التي تزيد على درجة من القوة ومن ملاحظات هملتن أن الشعور لا يمكن أن يقتصر ميدانه على الحالات النفسية الخاصة،

ذلك لأن الشعور يمتد امتداد ملكات النفس. فعندما تجس العالم الخارجي بملكات، أو تعرف حقيقة من حقائقه نشعر ﺑﻬا أيضًا فشعورنا يشع على العالم الخارجي كذلك.

وقد سلم هملتن بوجود اللاشعور واستدل عليه بأدلة منها أن أغني ما في عقلنا كالعلوم واللغات يبقي عادة بعيدًا عن محيط الشعور. وأنه في بعض الحالات المرضية يهذي المريض بما يظن أنه لا علم له به. وكذلك ففي ترابط المعاني توجد وسائط موصلة غير مشعور ﺑﻬا يستدعي وضوحها تمنعًا طويلا.

فلما كان عند المدرسة التجريبية الحديثة التي يمثلها ستيورات ميل وبين وسبنسر والتي هي في الواقع امتداد للمدرسة التجريبية القديمة التي أنشأها لوك وهيوم. أقول لما كان عهد هذه المدرسة. نظر إلى الشعور نظرة جديدة فيه أثر كبير من نظرية داروين العلمية في التطور فانتبهوا إلى أن الشعور الحديث لا يمكن أن يكون صورة طبق الأصل من القديم.

وتنبهوا كذلك إلى أوهام الشعور فهو مثلا يعرفنا بظاهرات نفسية. ويجعلنا نعتقد أﻧﻬا بسيطة وفي الحق هي معقدة ويمكن أن نحللها إلى عناصر كثيرة مختلفة تكونت ببطء على مر السنين. وخضعت لقوانين التطور. والشعور عند هذه المدرسة لا يدرك إلا الظاهرات وهذا محقق لغرض السيكلوجية العملية التي لا ترغب في أكثر من أن تربط الظاهرات بقوانين وتعرف أحوال تداعيها.

وقد أنكر ميل وجود لا شعور سيكلوجى. وقال عن المؤثرات التي لا تحس ﺑﻬا أﻧﻬا فسيولوجية بمعني أﻧﻬا مؤثرات لم تصل قوﺗﻬا إلى المراكز العصبية فلا يلتقطها الإحساس فالغائب عن الوعي هنا ليس أمرا نفسيًا ولكنه عصبي.

وعند سبنسر وبين الشعور يقتضي الحركة ويستلزم التغير. فوجود حالة نفسية لا يحدث الشعور ﺑﻬا. ولكن يوجد الشعور إذا وجد تنقل من حالة إلى أخرى.

والذي يهم قوله هنا. أن الأفكار توجهت بشدة نحو ظاهرة اللاشعور ووصفت ظاهرا ته العجيبة وصفًا مسهبًا حتى تغالي البعض مثل مودسلى وقالوا أن الشعور نفسه أمر ثانوي.

فإذا عرجنا إلى العصر الحديث وجدنا ثلاث نظريات عن الشعور لثلاثة من كبار مفكريه وهم وليم جيمس وبرجسون وهملن.

وطريقة جيمس التفكير ية أن يسير من المركب إلى البسيط، فهو يحاول أن يعرف الحالات النفسية على أساس معرفته بالنفس لا أن يعرف النفس من مقارنة الحالات النفسية وفحصها فحصًا عقليا.

والشعور هو أول ظاهرات السيكلوجية تصل به كل حالة نفسية، ولكن الشعور لا يوجد خارج الحالات المختلفة ولا توجد الحالات منفصلة عنه، الشعور عهود الحالات النفسية الفقري، وهو الذي يوجد بينها ويكون منها كلا لا يتجزأ، وهو مع ذلك فردي أي مستقل في فرد عنه في بقية الأفراد.

والحالات النفسية تتجدد وتتغير دائمًا بحيث إذا عاودتنا حالة مرتين فلابد من تغير في المرة الثانية يجعل ذاﺗﻬا مختلفة عما كانت عليه في أول مرة، والشعور مستمر كالتيار الجاري، وليس مجري الشعور متشابه السطح. ففيه حالة يتوقف الفكر فيها عن الحركة وأخرى يسبح فيها الفكر.

وليس ثمة شك في أن الحالة الأولى من السهل ملاحظتها ووصفها ولهذا وجه إليها جل عنايته، ولكن ينبغي ألا ﺗﻬمل الحالة الثانية. حالة الحركة.

والشعور يدرك الحالتين معًا أي أنه يدرك ظاهرات النفس وعلاقاﺗﻬا التي تربطها بعضها إلى بعض ومعني هذا أن الشعور تركيبي لا ينسي اﻟﻤﺠموع أثناء تحليله للأجزاء.

وأنه يحتفظ باستمراره واتصاله رغم تقطعه الظاهر.

والشعور لا يقف موقف الحياد من الحالات النفسية ولكنه يميل إلى البعض ويهمل البعض الآخر، والحالات التي يتجه إليها الشعور يقال أﻧﻬا في البؤرة بينما التي ينصرف عنها تكون في الحاشية وجميع الحالات تدور بين البؤرة والحاشية تبعًا للظروف النفسية وهذا ما يحدث التيار. ويفسر غلبة بعض الحالات على غيرها بالاهتمام العملي في حياة الفرد.

وقد أتبع برجسون نفس المنهج، ولاحظ أول ما لاحظ أن الشعور ليس مقصورا على الحاضر لأنه حفظ للماضي في الحاضر وتقدير للمستقبل، والذي ندركه حقًا هو قدر من الزمن النفسي يضم ماضينا المباشر ومستقبلنا القريب، وبمعني آخر الشعور قنطرة بين الماضي والمستقبل.

ولكن ما فائدة هذه القنطرة؟

تجيب فلسفة برجسون على هذا السؤال بالآتي:

يظهر الشعور بظهور الحياة ويلازمها ملازمة الظل، لأنه أساس العمل وبيده تدبير الأمور والبت فيها ويقدر على ذلك قدرة تامة لحفظه للماضي وتقديره للمستقبل ولهذا كله فهو يقوي وينتبه حين يقبل الحي على حالة تتطلب التدبير والاختيار بين حلول كثيرة ويضعف حيث يستغني عن الاختيار ويقترب الفعل من العادة أو الآلية، ولما كان الاختيار مرادفًا للحرية فعمل الشعور يقوم على الحرية وبذلك يحكم الشعور الحرية في المادة. وعليه فصفات وظيفة الشعور هي ذاكرة وتقدير للمستقبل واختيار وحرية.

ولكن ما هي طبيعة الشعور ؟ على هذا السؤال يجيب برجسون إجابة صوفية سامية وأن لم ترض نزعات العالم التجريبية، فهو يقول مث ً لا أن الشعور لا يمكن أن يتحلل إلى حالات متميزة، منفصلة، مستقلة، الشعور وحدة متصلة كالنغمة الموسيقية " تصور نغمة موسيقية. تشعر بنفسها. وتخلق نفسها " هذا هو الشعور كما يجب أن نفهم.

ونحن نعبر عن طبيعة الشعور باللغة وبالتحليل العقلي وكل هذا يفسد طبيعته ويعرفنا بشيء سواها، الشعور وحده من حيث الصورة أما من حيث الجوهر فهو صفة خالصة أي أنه ليس كما. وفي هذا رد على الذين يزعمون أﻧﻬم يقيسون الظاهرات الشعورية كأﻧﻬا ظاهرات مادية وهو يرجع هذا التصور إلى ما تظنه الأذهان العامية من أن العاطفة الأقوى أكبر كمية من غيرها.

وهذا نقد لطريقة التأمل الباطني ومحاولة لإقامة السيكلوجية على أسس جديدة بعد تطهير العقل من الأوهام العامية وإعارات السيكلوجية الطبيعية.

أما هملن فلا يميز الشعور عن الفكر ولما كان الفكر عنده يشمل حقيقة الوجود ( فلا شئ يخرج عن ميدان الشعور سواء كان من ذات الإنسان أم من الوجود الخارجي ولم يكن يرى في النفس جزأين واحد يشعر والآخر يكون موضوعًا له فهما عنده شئ واحد يشعر بذاته ولكن إذا قلنا أن جميع الظاهرات هي ظاهرات شعورية فما السبيل إلى تمييز الظاهرات النفسية عن غيرها من الظاهرات ؟ أننا إذا قلنا أﻧﻬا غير ممتدة أو لا تقع تحت حس فأننا نعرفها تعريفا سلبيًا، والحق أن أهم يميزها أﻧﻬا ذاتية أي أننا نحس إحساسًا قويًا أننا العامل الفعال في وجودها وتكييفها.

وهو كبرجسون يري للشعور وظيفة هي الاختيار وإذا فهو مثله أيضًا يري أن الحرية شرطًا أساسي في وجوده.

وقد صار الآن اللاشعور نظريات أيضًا كما للشعور وتوجد طريقتان لتصوره:

واحدة تعتبره حالة من الشعور والأخرى تراه شعورا ثانيًا مستقلا أو نفسًا أخرى قائمة بذاﺗﻬا. وهو في الحالة الأولى ظاهرة من الظاهرات النفسية وأما في الحالة الثانية فهو كائن. هو حي آخر في الإنسان. وتستطيع أن نضرب مثالا على الحالة الأولى بالكتابة الآلية التي يكتب فيها الإنسان على كتابة ما يملي عليه مثلا وهو غير دار بما يفعل

والحالة الأخرى مثلها " الوسيط" الذي يأتي بالعجب أثناء التنويم المغناطيسي أو ما يسمونه بتحضير الأرواح. والنظريات التي تقول بأن اللاشعور شخصية خفية هي التي تقرر حقيقة تكاثر الشخصيات، ومن أصحاب هذا الرأي فرويد فيرى في الغريزة الجنسية شخصية تعيش في باطن الإنسان وهي دائمة الصراع مع أخرى هي الشخصية الاجتماعية فإذا غلبت على أمرها في الحياة الواقعة انطلقت حرة في الأحلام.

والنظريات القائلة بأن اللاشعور ظاهرة تختلف فمنها ما يعتقد بأن جميع الظاهرات النفسية عرضة لأن تنغمر تحت سطح اللاشعور يستوي في ذلك منها السامي الذي يتصل بالفكر والمنحط الذي يسفل الحس والشهوات فتوجد أحيانًا آلية في التفكير كما توجد آلية في الأفعال، ويوجد لا شعور في الملكات العليا كالاختراع والإلهام والعبقرية، بل أن التركيب وهو العمل العقلي الجوهري لا شعوري.

ومنها ما تقتصر ميدان اللاشعور علىالإحساس وتنفيه عن الفكر فالأستاذ ريبو يقول أنه إذا كان يوجد اللاشعور ففي حالة التروع السابقة للشعور.

ونختم الموضوع بأن نلخص نظريات الشعور فيما يأتي:

-1 نظرية بعض الايقوسين التي تري في الشعور ملكة متميزة عن بقية الظاهرات النفسية وليس لها قيمة الآن.

-2 المذهب التجريبي وكان يحاول أن يجعل من السيكلوجية علمًا لدراسة الظاهرات النفسية فقط وعنده أن الشعور صفة تلحق بالظاهرات الفسيولوجية إذا بلغت حدًا من القوة.

-3 نظرية مذهب كانط النقدي ويري أن الشعور لا يكشف لنا عن ماهية نفسنا ولكنه يعرضها كما تبدو لنا.

-4 والنظرية الروحية وهي تؤمن بأن الشعور ينفذ إلى الماهية والحق المطلق وجعلت من السيكلوجية ميتافيزيقيا.



نشرتها:المجلة الجديدة

تاريخ النشر:يونيو 1965



أعلى