وإنّي لتعروني لذكراكِ رعدة ٌ.. عروة بن حزام

عروة ابن حزام من متيمي بني عذرة الذين صرعهم عشقهم، عاش في حوالي القرن الاول الهجري، وقد تربى بعد وفاة والده في بيت واحد مع ابنة عم له يقال لها عفراء، وتعلق بها تعلقا شديدا، ولما كبر خطبها من ابيها، فطلبت أمها مهراً لا قدرة له عليه، ويقول في هذا الشان
يطالبني عمّي ثمانينَ ناقة = وما لي يا عفراءُ إلّا ثمانيا
فرحل إلى عم له في اليمن، ولما عاد وجدها قد تزوجت بأموي من أهل البلقاء (بالشام)، فلحق بها. ومات في طريق عودته، والقصيدة المختارة من اجمل النصوص التي تعكس ولهه ووجده بها، ولا يعرف له شعر الا في عفراء بنت عمه كما جاء في الاغاني، وكلها من الغزل الرقيق المفعم بالالم ومرارة الفراق والبين، وقد ضرب به المثل لشدة عشقه لها
يقول جرير فيه
هل انت شافية قلبا يهيم بكم = لم يلق عروة من عفراء ما وجدا
ما في فؤادي من داء يخامره = الا التي لو راها راهب سجدا

وقال شاعر اخر
وقبلك مات من وجد بهند = اخو نهد وصاحبه جميل
وعروة والمرقش هام دهرا = باسماء لم يغن العويل

ويقول عروة في قصيدة اخرى

أحقّاً يا حمامة َ بطنِ وجِّ = بهذا النّوحِ إنَّكِ تصدُقينا
غلبتُكِ بِالبُكَاءِ لأَنَّ لَيْلِي = أواصلهُ وإنّكِ تهجعينا
وَإنِّي إنْ بَكَيْتُ حقاً = وإنّكِ في بكائكِ تكذبينا
فلستِ وإنْ بكيتِ أشدَّ شوقاً = ولكنِّي أسرُّ وتعلنينا
فَنُوحِي يَا حمَامة َ بطنِ وَجٍّ = فقدْ هيّجتِ مشتاقاً حزينا

وله قصيدة طويلة في حوالي ثمانين بيت ذكرها بتمامها ابو علي القالي في كتاب النوادر، جاء في مطلعها
خليلي من عليا هلال بن عامر = بصنعاء عوجا اليوم وانتظراني

و يحكى انه مات في الطريق قبل الوصول إلى حيه، وبلَغ عفراء خبر وفاته، وقالت ترثيه:
أَلاَ أَيُّهَا الرَّكْبُ الْمُجِدُّونَ وَيْحَكُمْ = بِحَقٍّ نَعَيْتُمْ عُرْوَةَ بْنَ حِزَامِ
فَلاَ تُهْنِئُ الفِتْيَانَ بَعْدَكَ لَذَّةٌ = وَلاَ رَجَعُوا مِنْ غَيْبَةٍ بِسَلاَمِ
وَقُلْ لِلْحُبَالَى: لاَ تُرَجِّينَ غَائِبًا = وَلاَ فَرِحَاتٍ بَعْدَهُ بِغُلاَمِ

ولم تزل على حالها، حتى ماتَتْ بعده بأيَّام قليلة.

متابعة ممتعة
نقوس المهدي

وإنّي لتعروني لذكراكِ رعدة ٌ
عروة بن حزام

وإنّي لتعروني لذكراكِ رعدة ٌ
لها بين جسمي والعظامِ دبيبُ
وما هوَ إلاّ أن أراها فجاءة ً
فَأُبْهَتُ حتى مَا أَكَادُ أُجِيبُ
وأُصرفُ عن رأيي الّذي كنتُ أرتئي
وأَنْسى الّذي حُدِّثْتُ ثُمَّ تَغِيبُ
وَيُظْهِرُ قَلْبِي عُذْرَهَا وَيُعينها
عَلَيَّ فَمَا لِي فِي الفُؤاد نَصِيبُ
وقدْ علمتْ نفسي مكانَ شفائها
قَرِيباً وهل ما لا يُنَال قَرِيبُ
حَلَفْتُ بِرَكْبِ الرّاكعين لِرَبِّهِمْ
خشوعاً وفوقَ الرّاكعينَ رقيبُ
لئنْ كانَ بردُ الماءِ عطشانَ صادياً
إليَّ حبيباً، إنّها لحبيبُ
وَقُلْتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَة ِ داونِي
فَإنَّكَ إنْ أَبْرَأْتَنِي لَطَبِيبُ
فما بي من سقمٍ ولا طيفِ جنّة ٍ
ولكنَّ عَمِّي الحِمْيَريَّ كَذُوبُ
عشيّة لا عفراءُ دانٍ ضرارها
فَتُرْجَى ولا عفراءُ مِنْكَ قَريبُ
فلستُ برائي الشّمسِ إلا ذكرتها
وآلَ إليَّ منْ هواكِ نصيبُ
ولا تُذكَرُ الأَهْواءُ إلاّ ذكرتُها
ولا البُخْلُ إلاّ قُلْتُ سوف تُثِيبُ
وآخرُ عهدي منْ عفيراءَ أنّها
تُدِيرِ بَنَاناً كُلَّهُنَّ خَضيبُ
عشيّة َ لا أقضي لنفسي حاجة ً
ولم أدرِ إنْ نوديتُ كيفَ أجيبُ
عشيّة لا خلفي مكرٌّ ولا الهوى
أَمَامي ولا يَهْوى هَوايَ غَرِيبُ
فواللهِ لا أنساكِ ما هبّتِ الصّبا
وما غقبتها في الرّياحِ جنوبُ
فَوَا كَبِدًا أَمْسَتْ رُفَاتاً كَأَنَّمَا
يُلَذِّعُهَا بِالمَوْقِدَاتِ طَبِيبُ
بِنَا من جَوى الأَحْزَانِ فِي الصّدْرِ لَوْعَة ٌ
تكادُ لها نفس الشّفيقِ تذوبُ
ولكنَّما أَبْقَى حُشَاشَة َ مُقْولٍ
على ما بِهِ عُودٌ هناك صليبُ
وما عَجَبِي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى
ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجيبُ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى