نزار حسين راشد - كذبة نيسان

رحل نيسان، كحُلمٍ قصير، وأنا أتنشّجه في رائحة التراب المجبول بالندى، وظلال الأشجار الراقصة في حفاوة،لنيسان أيضاً حكاياته العاشقة، وألوانه الزاهية،وخدوده المُورّدة العطشى للقبلات.
لنيسان أيضاً ذكرياته الهاربة،التي يتركها خلفه مبعثرة مع أوراق الشجر المكدّسة تحت أمهاتها في ثراء نادر، أما أجمل ما فيه، فهي تلك الجدائل الرقيقة التي تهبط على أكتاف الأرض، فتوقظ فتنتها الغافية وتُنطق وجهها بالصبا، وتشيع في أعطافها المرح، وتجرّها من يدها إلى حفلةٍ راقصة.
لنيسان معازفه المبهجة على السطوح الباسطة كفيها في ضراعة لدندنات الإيقاع.
أما أقسى ما فيه،فهي طقوس الوداع، أزهار تنّورتك الخجولة وأنت تلملمينها في حياء، لتُعلني لي عن موعد زفافك في نهاية نيسان، وحفيفها وأنت تغادرين، ملقيةً إليّ بابتسامة أخيرة من فوق كتفك المرفوعة في زهو ملكي!
كلُّ تلك الحفاوة لم تعد إلا شاهداً صامتاً على تلك النهاية الفادحة، شجيرات الورد أسبلت جفونها عاتبة، والغيوم أعادت تشكيل أسرابها في هيأة حزينة، وعقدت رؤوسها في أسىً
مُجاهرةً بالاحتجاج.
هل ولد فرحك وألمي من رحم نيسان؟ نيسان شهر المفارقات،يكتب شهادات الإنكار والإقرار، وفي بياض صحنه العذري ، تجتمع الأندادُ الأضداد، يزفّك عروساً، ثم يجود على جرحي بالمواساة، ويغسل حزني بخيوط المطر، يملأُ عينيّ بالدهشة، ويُطفح كأسي بالوعود!
ألهذا يُسمّونه شهر الأكاذيب؟ ولم يكن رحيلُكِ عنّي غير كذبة نيسان؟!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى