حاميد اليوسفي - الرجل الذي يريد أن يلد عِجْلا.. قصة قصيرة

عبد الله مياوم قوي البنية يعمل مع شركة بناء . أكثر من عشر ساعات عمل ، مقابل أجر لا يتجاوز ثمانين درهما في اليوم . أب لطفلين​
والثالث في الطريق . كلما ازداد عنده مولود يمنحه الباطرون مائة درهم (كتبريكة)* ، ويوم عطلة مدفوع الأجر .
زوجته عائشة بنت حمان حامل في شهرها الثامن . كل سنة تضع له كتكوتا . هذه المرة بدأ يحلم بشيء آخر بعد أن سمع خبرا يقول بأن وزارة الفلاحة تمنح للفلاحين أربعة آلاف درهم عن كل بقرة تلد عجلا ، حتى ولو تجاوز العدد العشرات . لا يتذكر أين سمع الخبر لأول مرة ، لكنه تأكد من صحته .
وهو عائد إلى البيت ، توقف مرتين في الطريق . بدأ يشعر بصداع في الرأس ينمو شيئا فشيئا . لينسى ذلك ، تساءل مع نفسه :
ـ لو تزوجت بقرة ، هل سنلد عجلا ؟
انتابه إحساس بالتقزز من أن يتزوج الإنسان حيوانا . تشوش فكره . الزواج يحتاج إلى إجراءات . موافقة المقدم وعائشة والعدول والشهود . وهل يوافق كل هؤلاء على أن يتزوج بقرة ؟ وكم من الوقت سيحتاج لإقناعهم ؟ وكيف ستفرح به الأسرة ؟ ولنفرض أنهم وافقوا ، فأين سينامان في الحظيرة أم في الغرفة ؟
كاد يموت من الضحك ، عندما تخيل بقرة تجلس بجانبه في (العمارية)* ، وهما يشربان الحليب ، ويتناولان التمر . وقبل ذلك عليه أن يضع خاتم الزواج في أصبعها ، ثم يطبع قبلة على خدها . تذكر بأن البقر ليس له أصابع ولا خدود مثل البشر ! رأى بأنه سيشعر بالقرف إذا فعل ذلك . وضع يده على رأسه . توقف لحظة ، وأخرج منديلا ، مسح به العرق وأضاف :
ـ هل يمكن لعائشة بنت حمان أن تلد هذه المرة عجلا ؟ قد يحدث ذلك ، لكن بشرط أن نتحول معا إلى بقر ! وهل يتحول الإنسان إلى بقر ؟ في هذا العالم كل شيء ممكن . إذا صَدَقَ صعودَ الإنسان إلى القمر ، لماذا لا يَصْدق تحول الإنسان إلى بقر .
نسي أمرا مهما ثم أضاف :
ـ ومن سيأخذ الأربعة آلاف درهم ، إذا تحولنا معا إلى حيوانات ؟ وكيف سيتعرف علينا المقدم ؟ لا بد أن يبقى أحدنا على هيئته البشرية .
الثور لا يلد ، البقرة هي التي تلد . بالمنطق عائشة هي التي يجب أن تتحول إلى بقرة !
ضحك وهو يرى عائشة تتحول إلى بقرة ، ثم تخيل نفسه يعانقها ، لكن خشي أن تنطحه أو تركله ! رغم أن الصورة بدت مقززة وبشعة ، فمن يضمن له بأن يلدا عجلا ؟ قد يلدا مسخا مركبا : ولد له رأس عجل ، أو العكس عجل له رأس إنسان ! وفي هذه الحالة لن يحصلا على تعويض .
إذن عليه في المساء أن يفتح الموضوع مع عائشة .
ـ أه لو كان الجنين الذي في بطنك عجلا يا عائشة . ستحدث معجزة ، وسنحصل على التعويض ، وسندخل التاريخ . لم يسبق لإنس أو جن أن ولدا عجلا .
كل تلفزيونات الدنيا ستحط الرحال في بيتنا . لن نحتاج إلى عمل . سيتطلب منا التصوير والإدلاء بالتصريحات وقتا طويلا ، وسنكسب الكثير من المال .
عندما دخل في المساء إلى البيت هده التعب وارتفعت حرارة جسمه . وضعت عائشة يدها على جبهته وقالت وهي مرتبكة :
ـ رأسك سخون يا عبد الله . ضربتك الشمس . ألم أنصحك بلبس القبعة .
لاحظت بأن درجة الحمى جد مرتفعة .
قامت إلى المطبخ وغلت قليلا من الماء بللت به قطعة قماش ووضعت فيه عشبة (المخينزة)* وعقدته حول جبهته وفوق رأسه وغطته بملاءة صوفية .
بعد قليل ، سمعته وهو نائم يهذي ويتمتم بكلام غريب لم تفهم معناه :
ـ هل ستلدين عجلا ؟ اعمليها هذه المرة فقط . نفسي في أن يكون لي ولد على صورة عجل !
..........................
(*التبريكة : يبارك له المولود الجديد / العمارية : فراش جميل يخصص للعريسين ، يوضع فوق مرفع من الخشب أو الألمنيوم ، ويحمله أربعة أشخاص أو أكثر ، يطوفون به وسط الضيوف / *المخينزة : من الأعشاب المشهورة في المغرب يتم وضعها في قماش مبلل بماء ساخن وتحزم به على الرأس وتستعمل كدواء للحمى )
مراكش في 14 08 2020
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى