نهى الطرانيسي - السماء تعزف ألحان الحب.. قصة قصيرة

ضوضاء وأبواق... هتاف من كل جانب، عالم آخر يعج بكل الاختناق والدخان... وهناك بعيدًا في الأعلى... في مدار بعيدعند القمر دنيا لها ما لها من أنوار هادئة متقاربة، كل اختار قرينه ليتسامر معه حتى يُؤذَن للشمس بالبزوغ.
النور:مرحبا!
قرينه: أين كنت؟انتظرتك طويلا.
النور: عذرا حبيبتي،منذ قليل عدت من العمل.
قرينه :هل العمل بالأسفل مرهق مثل عملنا ؟
النور :لا أظن !
قرينه :أنظر دائما إلى وجوههم المليئة بالضيق والتي يكاد الغمّ يكفنها.
النور : فما بالك إذن بنا نحن الذين نحمل أجسادهم؟!
قرينه : إلى متى سنظل نلتقي هنا في عالمنا، أما آن الوقت لنحيا معا في تلك الدنيا
النور :وهل بيدنا شىء؟
قرينه: لا تؤاخذني بسؤال يبعث فيَّالحزن.
النور :لمَ الحزن ؟
قرينه :على حب وعمر يضيع هباءً.
النور: أنسيت؟! ليس لنا عُمر.
قرينه :بل عمرنا منهم،متى كبروا هرمنا معهم ودُفنا معا.
النور : ماذا تقصدين؟
قرينه :أخشى ألا يتقابلوا،ألا يعرف كل منهم الآخر، ونحن أين من هذا؟! لقد تآلفنا كما تآلفت مئات الأرواح هنا مع قرينتها.
النور : ما رأيك برقصة معي؟ أتسمحين لي؟
وأضاءت السماء بأنوار تتراقص على هدى نغمات لا يسمعها إلا أصحابها.. رويدا رويدا تهدأ وتستقر.
النور :ما رأيك ؟ أهدأتِ قليلا.
قرينه :نعم.. موسيقانا رائعة، أتخيل حين نلتقي هل ستكون أيضا لنا أنغام في عقولنا ننسجها ،ولا يسمعها سوانا ؟
النور : ألا تعرفين.. إن كنا صادقين في حبنا، فاللحن نفسه سيعزف ولا ندري له نهاية.
قرينه :صدقت ؟ جميل ذلك الحب.
النور : نعم
قرينه :لمَ شوهوه وصوروه بالهوى ذي اللحظات المنسية؟!
احكِ لي قليلا عن أحاديثهم، أود معرفة ما يدور في عقولهم.
النور : حسنا، نحن نحذر أنفسنا من المرأة،فهى كالحرباء تتلون بأخلاق وأفكار لإغراء فريستها حتى تراها الأفضل من بين النساء من عقلها حتى أخمص القدمين ، وبذلك قد حيكت الشبكة على عنقها ولا مفر.
قرينه :يا إلهي لمَ هذه القسوة علينا ؟!
النور : وأنتم كيف تفكرون ؟
قرينه : نحن ضعاف القلوب وليس ضعاف العقول. كل ما نريده حضن يدفئنا من برودة الأحزان ، وكتف تستند إليها رؤوسنا عندما تلقي الدنيا أثقال همومها علينا.
النور :أوَتعرفين.. هذا ما حذرنا منه أيضا ؟
قرينه : ما هو ؟
النور : ألا نناقشكن،فنحن المغلوبون دائما ؟
قرينه :هل سنمل من بعضنا ويسود الصمت والجفاء بيننا ؟
النور :لا أظن، إن أحببتك في الدنيا كما أحبك الآن فلن يعرف الصمت طريقا إلينا إلا اذا اخترناه لغة تجمعنا بين الناس بأعيننا.
النور: ماذا تشعرين حين أمسك بيدك ؟
قرينه :لا تخافي سأكون مظلتك،وأنت بما تشعر ؟
النور : بحنانك وحبك يتخلل نفسي، لا أفيق منه إلا على صوتك يسكرني فأعود إلى أحلامي قرينه : متى سنلتقي ؟
النور :أريني أين أنت ؟
قرينه : هناك في البيت الصغير.وأنت ؟
النور : هنا حيث أبيت في مكان عملي.
قرينه : ما أطول المسافة بيننا!! تفصلها المحيطات !!
النور : لا تيأسي.
قرينه : حقا !!كيف ؟
النور : ادعي يانصفي، دعواتك للرزاق الوهاب.
ومع بزوغ أشعة الشمس الهادئة، وتغريد الطيور معلنة ترك أعشاشها، يعود القمر إلى مسكنه وتهدأ الأنوار في السماء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى