ميثم الخزرجي - النقد عند شعراء الجاهلية وشعراء صدر الاسلام

ان الشعراء في العصر الجاهلي والفترة التي تلتة يشاركون في الملاحظات النقدية في ابداء ارائهم واحكامهم في الاسواق وفي المجالس والطرقات وتأثيرهم في هذا كما سنرى بمن حاءوا بعدهم .

ولعل اهم ما وصل الينا من النقد في هذه الحقبة ما كان يجري في سوق عكاظ من نقد النابغة الذبياني للشعراء ونقف الان على نماذج منها : نقدة للبيد وقد كان غلاماً حينذاك جاء مع اعمامة الى النعمان بن المنذر فتوسم النابغة فيه الشاعرية فسأله ان كان يعرف الشعر فأجابة بالايجاب قوله((الم ترجع من الدمنِ الخوالي)) فأجابة النابغة ياغلام انت اشعر بني عامر ، ثم قال له زدني ثم انشدة قولة ((طلل لخولة في الرسيس قديم)) وعند ذلك ضرب النابغة بيدة على جبينة تعبيراً عن اعجابة ، فقال له اذهب انت اشعر من قيس كلها.

وقصة القبة الحمراء التي كانت تضرب له في سوق عكاظ قصة غنية عن التعريف فقد تداولتها اكثر المصادر القديمة وعنها اخذت المراجع الحديثة ، ومما جاء في ارائة النقدية في مجالسة تلك حكمة الاعشى ميمون بن قيس في قصيدتة التي اولها :

مَا بُكَاءُ الكَبِيرِ بِالأطْلالِ وسؤالي، فهلْ تردّ سؤالي؟

فقد فضل على كل من حسان بن ثابت في قصيدتة :

لنا الجفنات الغرّ‘ يلمعن بالضحى واسيافنا يقطْرن من نجدةٍ دما

ولدنا بني العنقاء وابني محرفّ فأكرم بنا خالاً واكرم بنا عما



وعلى الخنساء في قصيدتها في رثاء اخيها صخر التي تقول :

قذى بعينكِ امْ بالعينِ عوَّارُ امْ ذرَّفتْ اذْخلتْ منْ اهلهَا الدَّارُ



ويظهر لنا في هذا التفضيل في قولة لحسان ((انت شاعر ولكنك اقللت جفانك وسيافك ، وفخرت بمن ولدت ، ولم تفخر من انجبك)) ، وفي قولة للخنساء :( والله لولا سبقك ابو بصير ، انشدني انفا ، لقلت انك اسعر الجن والانس )) .

ومثل هذه الاحكام كثيراً ماكانت تؤدي الى الخصام بين الشعراء ، فقد غضب حسان من الملاحضات التي ابداها النابغة وقال له : ((والله لأنا اشعر منك ومن ابيك ومن جدك ، وما كان من النابغة الا ان قبض على يده وقال له : بابن اخي انك لاتحسن ان تقول مثل قولي :

فإنكَ كالليل الذي هو مُدْركي وإن خِلْتُ أن المنتأى عنك واسعٌ

ثم قال للخنساء انشدية ، فأنشدتة ، فقال : (( والله مارئيت انثى اشعر منك ، فقال له : والله ولا رجلاً )).

وروى ابو الفرج الاصفهاني عن ابي غزية ، ان النابغة الذبياني اقبل يريد سوق بني قينقاع ، فلحق به الربيع بن ابي الحقيق نازلاً من اطمه ، فلما اشرفا على السوق ، سمعا ضجة ، وكانت سوقاً عظيمة ، فحاصت بالنابغة ناقتة فأنشأ يقول (( كانتتهال من الاصوات راحلتي )) ثم قال للربيع اجز ياربيع . فقال ((والنفر منها اذا ما اوجستة خلق )) فقال النابغة ما رأيت كاليوم شعراً قط .



ويجري في هذا المجرى اي النقد الذوقي غير المعلل ما جاء على لسان الشاعر لبيد حينما مر بالكوفة في بني نهد وسألوه عن اشعر العرب ، فقال ((الملك الضليل ، ثم الغلام القتيل ، ثم ابو عقيل ويعني نفسه)).

ومن نقده لأبنتة حينما اجابت عنه الوليد بن عقبة حينما كتب اليه :

ارى الجزّار يشحذ شفرتية اذا هبــــــت رياح ابي عقيل

اشم الانف اصيد عامريُ طويل الباع كالسيف الصقيل

فأجابت هي بقوله :

اذا هبت رياح ابي عقيل دعونا عند هبتها الوليدا

اشم الانف اروع عبشمياً اعان على مروءتة لبيدا



قال لها : لقد احسن لولا انك استطعمتة ، فقال : ان الملوك لا يُستحى من مسألتهم .

ومما سجلتة لنا المصادر من نقد الشعراء في هذا العصر ما عابة طرفة بن العبد على المسيب بن علس ، وروي ان طرفة قال ماقالة لعمرو بن كلثوم التغلبي ، وقد وفد على عمر بن هند ملك الحيرة ، فأنشدة شعراً له وصف فيه جملاً خرج به الى ماتوصف به الناقة :

فقال له

ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتّقِ الشتم يشتمِ



وكثيراً ما كان تقويمهم النقدي ينصب على غرض ما ، ومقولة ما ، اي انهم كانوا يخضعون الشاعر للاحكام الجزئية فحينما يسأل الحطيئة عن اشعر الناس يقول : (( النابغة اذا رهب ، وزهير اذا رغب ، وجرير اذا غضب)) .

وكما يصدر الشاعر احكامة على غيرة فأنة يعطي لنفسة الحق في ان يضعها في مكانها بين الشعراء ، فحينما يلقي عبد الرحمن ابن ابي بكرة الحطيئة ويسألة : من اشعر الناس ياابا مليكة ، يخرج له لسانة ويقول : (( هذا اذا طمع )) .

وفي صدر الاسلام تغير حال الشعر ونقدة بتغير الاوضاع ، واختلاف الدواف ، وارتقاء النفوس واستغلائها على النوازع القبلية والعادات المذمومة ، وحلت محلها عادات ارفع ونظم اجدر بالانسان والانسانية .

ميثم الخزرجي


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى