ماجد سليمان - حِكَايَةُ عجوز المقهى

يُحكى أنّ رجلاً في إحدى الليالي راودته نفسه إلى مقهى صغير رُصفت مقدّمته بالأحجار الكرويّة، انقلب إلى مرتعٍ لأحلام السكارى والمعتوهين، والمحبطين، الذين كوّنتهم الحرب وأنبتت اليأس في صدورهم، تتطارد من تحت كراسيهم وطاولاتهم الخشبيّة قطط المصاطب، وهم ساكنون مستغرقين في أحلامهم، أو يطالعون أحداث الحرب في صحف اليوم.
أمام المقهى، بيوت حائلة، وَمَزَاريب مياه واسعة، وَرَوَاشين، وأسطح تُشاغبها روائح القمائم المكدّسة أسفل منها، قربها آليات عسكرية خَرِبة، نداء صاخب يتطاير من أفواه الزبائن، ونساء يتبادلن أخبار الحرب، وقُربهنّ فتيان يتجاذبون النكات العسكرية الصارخة، جلس الرجل لصق نافذة المقهى من الشارع الجانبي: غائر الخدين تجاعيد جبهته متزاحمة، كثّ الشعر، فوق رصيفٍ عليه آثار ما بعد الحرب، بقرب جدارٍ رماديٍّ كُتبت عليه عبارات خادشة بطبشورٍ أصفر، نتنه يطرد الزبائن بعيداً عنه، ارتشف قهوته ليهزّه صوت يصرخ تحت الفجر، استدار بكرسيّه فإذا بعجوزٍ طويلة الجذع، ذات وجهٍ مملوء بالنتوءات والحُفَر مهيبة المنظر، تقف على صندوقٍ خشبيّ مقلوب، تنادي من أعمق صوتها، وتصرخ عن أسنان أتلفها التبغ:
- هُبّوا إلى دواء الموت أيها الأحياء، قبل وَلْوَلة الحرب وطلقات الرصاص وخشخشة السلاح..
وحين سكتت، هبّ إليها تسبقه يداه بكأسه الفارغة، فبادره جنديّ برصاصتين، كان يقف على حافة الطريق زاوية الحيّ، ظنّاً منه أنّه هارب من فرقة ليليّة، فانزلق وسقط في نقعٍ ملوّثٍ يصبغ دمه الرصيف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي،
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.
  • Like
التفاعلات: آلاء بابكر محمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى