أبو الحسن الجمال - الدكتور محروس بريك سيرة وتحية

مبعث الفخر أنه من جيلنا وقد تخرج في نفس العام الذي تخرجت فيه سنة 1998، هو غصن نضر في مدرسة دار العلوم العريقة؛ التي قضت على العجمة ولها فضل كبير على اللغة والأدب والعلوم الإسلامية والتاريخ والحضارة والفلسفة، وقد تخرج فيها معظم أدباء مصر منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وحتى اليوم، وقد تعرضت لتحديات كبرى كادت أن تقضي عليها ولكنها صمدت ولم تختفي كما اختفت معاهد ومدارس أخرى وكانت من العراقة بمكان؛ مثل مدرسة القضاء الشرعي ومدرسة المعلمين العليا، ولكن واصلت رسالتها، وجيل يسلم جيلا ومازالت على مكانتها حتى اليوم..
والدكتور محروس بريك الذي سنتاوله في السطور التالية – بمناسبة حصوله على الأستاذية في النحو الصرف والعروض- هو أديب ناقد وشاعر قبل أن يكون لغوياً ينتمي إلى هذه المدرسة العريقة مدرسة دار العلوم، وله في هذه المجالات نتاج بزّ به أقرانه، وقد أثنى عليه أساتذته من أمثال أستاذه الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف، فقال في مقدمته التي صدَّر بها كتاب الدكتور محروس (النحو والإبداع): "أشعر بغير قليل من الزهو والسعادة إذ أقدم هذا الكتاب النادر المثال للباحث المتميز الأستاذ الدكتور/ محروس السيد بريك. وموضوع هذا الكتاب هو "المعنى النحوي الدلالي" وهو موضوع جديد في مجاله، وإن ظن بعض أبناء المجال أنه موضوع مطروق معروف مُنطلِقِين في هذا الظن – وبعض الظن إثم – من التسرع عند قراءة "المعنى النحوي" وتلهيهم العجلة عن وصف "المعنى النحوي" بالدلالي، وتأمُّل هذا التركيب النعتي تكمن فيه الأعاجيب التي جلاَّها الأستاذ الدكتور محروس بريك، إذ شرح هذا المصطلح شرحًا وافيًا بديعًا ، وبيّن أثره في تفسير النص الشعري وتحقيق تماسكه متخذًا من نصوص "المعلقات" مجالا للتطبيق والشرح والبيان.
ثم يقول الدكتور حماسة: "أمّا مبعث زهوي وسعادتي فهو العلاقة التي تربطني بمؤلف هذا الكتاب ، فهو – وسوف أتغلب على الحياء الذي ينتابني في هذا المجال – من أحبِّ تلامذتي إلى قلبي، وهو من أخلصهم ودًّا، وأنقاهم سريرة، وأصدقهم توجُّهًا. وقد كشف بهذا الصدق والإخلاص خبايا مصطلح جرى في بعض ما كتبت، فتلقّفه بودّ، وبعقل متفتح وثّاب، واستعداد مكتمل، وأدوات صحيحة، وأضفى عليه من ثقافته وتأصيله العلمي، وقراءته الواسعة، وتحليله العميق ما بعث فيه الحياة والحركة، وجعله يسعى في البحث العلمي واضح المعالم جليّ السمات ، وهذا ما يجعلني سعيدًا فرحًا به.. إن صاحب هذا الكتاب شاعر مبدع قبل أن يكون باحثًا لغويًّا مبدعًا، ولقد أعانه حب الشعر، وفهمه، وتذوقه، ومعاناته على فهم نصوصه وطريقة بنائه، ولمَّا سلط على هذا البناء مصباحًا كاشفًا من "المعنى النحوي الدلالي" استقام له الأمر، واستطاع بقدرة فائقة تحليل هذا البناء. ولقد حاول بعض الباحثين مثل ما حاوله الدكتور محروس بريك ولم يُتح لهم ما أُتيح له من المواهب الشخصية المتميزة، فقعد بهم المسعى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".
وُلد محروس بريك بمحافظة الفيوم في الأول من شهر يناير عام 1977م، وتعلم في مدارسها حتى حصل على شهادة الثانوية سنة 1994، ثم التحق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ليتلقي العلم على نخبة من الأساتذة الأجلاء من أمثال: الطاهر أحمد مكي، وعبد الصبور شاهين، وتمّام حسّان، وأحمد شلبيّ، ومحمد حماسة عبد اللطيف، وأحمد كشك، وأحمد محمد عبد الدايم، وغيرهم.. ثم تخرج عام 1998م .وعُين معيدًا بالكلية ذاتها عام 1999م وواصل دراساته العليا حتى حصل منها على درجة الماجستير بتقدير ممتاز عام 2002م، ثم على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 2008م، وأوصت لجنة المناقشة بطبع رسالته على نفقة الجامعة وتبادلها بين الجامعات المصرية. وقد تدرَّج محروس بريك في وظائف هيئة التدريس بجامعة القاهرة حتى أصبح أستاذًا مساعدًا عام 2013م، وأستاذاً في يوليو 2020.
وقد سألته يوماً عن الدوافع التي جعلته يلتحق بدار العلوم، وعن ذكرياته مع الأساتذة، فقال لي:
"عزمت على أن أتخصص في اللغة العربية حبا في البلاغة والأدب، وعلى الرغم من أنني تخصصت فيما بعد في مجال النحو والصرف وموسيقا الشعر، إلا أنني مهموم بالبلاغة والأدب إبداعًا وبحثًا؛ فكانت رسالتي للماجستير دراسة نصيّة في المعلقات السبع، وكانت رسالتي للدكتوراه حول ظاهرة المجا ، كما أزعم أنني أنظم الشعر وأكتب القصة القصيرة، وأتابع الحركة الأدبية عن كثب. التحقت بدار العلوم بالقاهرة عن رغبة وحب؛ إذ تعرفت إلى كثير من أعلامها عبر القراءة والإذاعة، قبل أن ألتحق بها عرفت فاروق شوشة ومحمود حسن إسماعيل وطاهر أبو فاشا وأحمد هيكل وكمال بشر وعبد الصبور شاهين ومحمد حماسة عبد اللطيف وغيرهم. لم يكن همي في سنوات الجامعة أن أتعلم من أجل الحصول على درجة مرتفعة فحسب، بل من أجل الحصول على مزيد من المعرفة في الأدب واللغة والنقد والبلاغة فضلا عن التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية والفلسفة. في دار العلوم أدركت جيلا من كبار الأساتذة نهلت منهم المعرفة ودروسا لا حصر لها من دروس الحياة، أذكر منهم وأرجو ألا تخونني الذاكرة: محمد حماسة وشفيع السيد وأحمد كشك وتمام حسان وكمال بشر وعبد الصبور شاهين وأحمد مختار عمر وأبو همام والطاهر مكي وعلي عشري زايد وحسن طبل وسلوى ناظم وعبد الحميد مدكور وحسن الشافعي وحامد طاهر ومحمد بلتاجي حسن وأحمد شلبي وغيرهم. في مرحلة تالية تعلقت أسبابي بأستاذين عظيمين هما سعد مصلوح ومحمد عبد المطلب. لكن تبقى علاقتي بأستاذي العظيم الراحل الدكتور محمد حماسة علاقة شديدة الخصوصية؛ إذ أشرف عليّ في مرحلتي الماجستير والدكتوراه فكان نعم المعلم والأب، تعلمت منه كيف يكون الحلم وحب الناس والكرم وقول الحق والنفور من الظلم وأهله، سلكت طريقه في تحليل النص الشعري، وربط النحو بالدلالة من جهة والنص من جهة أخرى، والنظر إلى علوم العربية المتنوعة على أنها كتاب واحد؛ فأفدت في البحث اللغوي من علوم النحو والبلاغة والنقد والأدب وعلم النص فضلا عن علم التفسير. وقد أسعدني كثيرا أن أستاذي الناقد الدكتور محمد عبد المطلب قال عني في غير موطن في مناقشته لرسالتي الماجستير والدكتوراه (محروس هو الامتداد الحقيقي للدكتور حماسة) وبذلك صرح كثيرا د. محمد حماسة رحمه الله. إنني فخور حقا بأن أكون امتدادا له وحاملا لمشعل علمه، وأرجو الله أن تكون أعمالي إضافة حقيقية إلى ما قدمه من علم".
وقد أثرى الدكتور بريك المكتبة العربية بالعديد من الكتب التي تنوعت بين الإبداع (الشعر والقصة) والنقد، وتخصصه الرفيع النحو والصرف، ومن مؤلفاته: (المجاز: رؤية جديدة للتآلف النحوي بين المفردات المتنافرة)، و(النحووالإبداع: رؤية نصية لتأويل الشعر العربي القديم)، وله بالاشتراك: (دليل النحو الواضح)، و(علم القافية)، و(علم النحو)، و(مهارات اللغة العربية)، و(نظم القرآن: آفاق جديدة في بلاغة القرآن الكريم)، وصدر له من الدواوين الشعرية: (المهاجر)، (وقبل الشتات)، و(قاب قوسين) تحت الطبع، كما أن له عدد من البحوث العلمية المنشورة في مجلات دولية وإقليمية ومحلية محكّمة، شارك في عدد من المؤتمرات الدولية في أوربا ودول شرق آسيا وقطر والسعودية ومصر، له عدة مقالات في اللغة والأدب،ونُشرت له عدة قصائد في عدة جرائد منها جريدة "الشرق" القطرية وجريدة "اليوم" السعودية ومجلة "الينابيع" بالسعودية، بالإضافة إلى نشر عدد من قصائده في مواقع إلكترونية مهتمة بالأدب. عمل بجامعة القاهرة وجامعة حائل بالسعودية وجامعة قطر.
انشغل الدكتور محروس بريك بالدراسات النصيّة وتحليل النص الشعري، فتناول بالتأويل الدلالي المعلقات السبع، وقصائد لتأبط شرًّا وأبي تمام ومحمود درويش ومحمود حسن إسماعيل وأمل دنقل، كما اهتمّ بالتأويل الدلالي لبعض الظواهر النحوية والإيقاعية في القرآن الكريم، بالإضافة إلى التأويل التداولي في كتاب سيبويه، ودراسة بعض الظواهر البلاغية من منظور جديد. ويُعدّ كلٌّ من كتاب (النحو والإبداع) وكتاب (المجاز: رؤية جديدة للتآلف النحوي بين المفردات المتنافرة) من الدراسات البينية المهمة التي سلك فيها طريقًا جديدة في الدرس النحوي والبلاغي.
تحية إعزاز وتقدير له بمناسبة ترقيته إلى درجة الأستاذية



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى