عبدالرحيم التدلاوي - قراءة في رواية "الراقصات لا يدخلن الجنة" لحنان درقاوي: رواية بوليفونية، تتشكل من أربع وعشرين فصلا. ستصدر مستقبلا.. الجزء الأول

عتبة العنوان:

بين الراقصات والجنة تعارض لا يمكن حله، ومن هنا وجاهة الفعل المسبوق بحرف النفي المطلق والصارم: لا يدخلن، هكذا، وبكل بساطة، ترفع لافتة في باب الجنة، تخبر كل من سهت، إلى أنها غير مرحب بها في هذا المكان المقدس، إذا كانت من جنس الراقصات، فتوظيف الجسد في فعل التلوي، يقرب من الحية التي كانت سبب خروج آدم من الجنة، والراقصة في تشبهها بالحية تعبر عن رفضها المقدس، وجنوحها باتجاه المدنس؛ ولا مدنس في البقعة الطاهرة.
لم تختر المبدعة عنوانها اعتباطا، بل جاء بعد تفكير وروية، والدليل، تسبيق الاسم على الفعل، رغم أن التركيب في العربية يحث على جعل الفعل أولا، وقبلا، وابتداء؛ ثم إن تسبيق الراقصات جاء لخلق مسافة بينها وبين الجنة، معبر عنها بفاصل الفعل، للإخبار أن بين الاسمين معا لا انسجام يفرض خلق مسافة بينهما، حتى لا يتدنس الثاني، ولا يتقدس الأول حين تقول: لا تدخل الراقصات الجنة، لأن الجمع قد يمنح لأحدهما صفة الثاني، الأمر الذي سيساهم في الالتباس، وكسر الحواجز، وهو أمر غير مقبول، فالحدود بينة، ومن أراد التشكيك يواجه بالمعارضة، والفعل شكل من أشكال هذه المعارضة.
في نظري، العنوان هو مدخل النص ويجب أن يوحي بالعمل ويدخل القارئ إليه. الجنة حرمت على كل من اختارت الجسد وشهواته فلماذا ليس من حق الراقصات أن يحلمن بالجنة بعد أن أهدرت كرامتهن في الدنيا؛ رقص الستريبتيز في كليشي بباريس حط من إنسانية الراقصات ومن حقهن أن يحلمن بالغفران وهن ممزقات مثل فاديا بين حياتهن كراقصات وبين التقوى والعفة التي يحلمن بهما كما يحلمن بالزواج المستقر... تناقضات كثيرة بين الطهر والدنس وهذا لب ما أرادت الروائية، في نظري، تجسيده في هذا العمل.
ولأن الراقصات يقدمن خدمات جليلة للرجال المتعبين، والمحرومين، أفلا يحق لهن، بناء على هذا الفعل الجليل في شفاء الأرواح المعذبة، دخول الجنة؟ أم أن الطرفين يمثلان خطين متوازيين، لا يلتقيان أبدا؟
ويمكن عد الأقبية المنتشرة في ضواحي باريس المقابل الضدي لأندية التعري، ففيها يتم فرض الفكر المتشدد، حيث تكره المرأة على إخفاء جسدها بالكامل، وهذا الفعل الذ تقبل عليه الكثيرات، ما هو إلا رد فعل على مسعى التذويب التي ترغب فيه السلطات الفرنسية، إن هذا اللباس الغريب، هو حماية لهن من الذوبان، وعلامة على خصوصيتهن.
. جسد الراقصة هو مكان لعبور الرغبات, كل الرغبات الممنوعة تتجسد في الراقصة. الراقصة هي الأنثى ممهورة بالحرية, بالإنطلاق. الراقصة هي الأنثى وقد خرجت من وصاية خطابات الإكراه لهذا يخاف رجال الدين من الرقص. إن الرقص هو لحظة تحرر الجسد وخروجه من الوصاية الفكرية والحسية. إنه سعي الذات إلى تجسيد ذاتها, إعادة صنعها بعيدا عن القولبة والتكييف وإجبار الجسد على وضعيات بعينها. الرقص تمرد على كل أشكال إخضاع الجسد وتكبيله. الرقص خروج من كافة أشكال التحكم في الجسد. لاشيء يوقف امرأة راقصة. إنها تمتلك جسدها وقدرها. راقصة الستريبتيز هي المرأة القدرية, المرأة سلطانة الغواية. تأمر وتنهى وتخضع الرجل لحركاتها. ص 117
أما آسيا، فتعلن عن موقفها بالقول: لقد هجرت الدين في سن مبكرة حين انتبهت أن التخويف والترهيب لايأتي بفائدة معها. لاتريد أن تركع لأنها خائفة أو تطلب الجنة. تريد أن تؤمن برغبتها هي لابرغبة الجماعة. تريد أن تصل إلى الله عن طريق الحب وليس الخوف والطمع. الخوف والطمع للعامة أما هي فتحس أنها مختلفة, أكثر ذكاءاو وثقافة من الناس العاديين. ص109





safe_image.php

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى