إسحاق الشيخ يعقوب - رنَّ هاتفها!

عندما علم انها سوف تستفتيه شرعاً في امرها.. شذب من اطراف لحيته وخضب اطراف ذوائب شعره ومرر مرود الكحل بين هدب عينه وسوى ثنايا «الشماغ» من على رأسه ولاعب بأطراف اصابعه سبحته.. واستخار الله في نفسه على نفسها.. فالنفس امارة بالسوء واستدرك بينه وبين نفسه «الا عند المتقين» فنظرات احلامه الولهى لم ترَ جاذبية تفاصيل وجهها.. ولا رمانتي صدرها ولا اكمة ظهرها.. ولم تقف على شيء من ملامح شكلها.. الا ان صوتها عبر الهاتف المشحون بتقوى تأوه الانوثة عندها.. ألهمه الخيال فيها وتمثلها: ممشوقة القد ناهدة الصدر ناعمة الملامس ندية النفس طرية المواضع يفيض سحر السواد في عينيها الواسعتين المتطارفتين في نظراتها!! وجهها مُستدير وانفها صغير ولها غمازتان فرحتان وشفتان ملتهبتان ساحرتان.. تمتم بينه وبين نفسه قائلاً: «سبحانك ربي انك احسن الخالقين» رفعت مقبض الهاتف قرّبته من قرط اذنها وادارت ارقامه.. رن هاتفه وقالت: السلام عليك سيدنا الشيخ.. ورحمة من عند الله وبركاته.. ردّ: وعليك سلام الله ورحمته وبركاته.. قالت: ايها الشيخ الجليل اني استفتيك في امرٍ توهجت خصوصيتي في المنام في خصوصية شيطان واقعني دون رغبتي.. امر الله واقع مفعول بيني وبينه.. كان صوتها يتقطع مجروحاً في بُحة انثى تلهث وجداً وصبابة في ترسل الحياة في الدنيا.. اما الآخرة فحسابها عند الله.. كان الله غفوراً رحيما.. فقد كانت تستجلي غفرانية ربها في غفرانية شيخ جليل ورع يخاف الله!! صمتت تلتقط غبطة توهج انفاسها في انفاس رجل من رجال الله الصالحين عبر اسلاك الهاتف.. وصمت وانفاسه تتطاير في طيب انفاسها وتخيلها حورية من حوريات الجنة امرها الله ان تضع يدها على كتفيه وتطلب منه جرعة ماء لتطفئ لهيب انفاسها في عطش انفاسه!!.
وكأنه استفاض تقوى عطش وجد فيضها في وجد عطش فيضه.. فيض العطش إلى الدنيا.. أم فيض العطش إلى الآخرة.. فيض عطش التقوى في الدنيا لنيل النعيم في الآخرة «والعاقبة للمتقين» وكان يتلمس تقوى روحانياته في تقوى روحانياتها.. وهو مغمض العينين وكان أن فتحها على رنين الهاتف مرة أخرى بعد لحظة انقطاع.. انقطع الخط قال متلعثما وردت متلعثمة انقطع الخط.. قال اللهم اجعل انقطاعه خيراً بيني وبينك رددتْ آمين.. آمين ورددَ آمين.. آمين!!
وفي لحظة صمت وترقب وجدانيين بينها وبينه.. رن الهاتف.. رفع السماعة وتنهد واعادها دون ان يرد.. رن هاتفها رفعت السماعة وتنهدت واعادتها دون ان ترد.. رنين القلب.. ام رنين الهاتف.. رن قلبه وسأل نفسه أقلبها رن؟ رن قلبها وسألت نفسها أقلبه رن؟!.
فالتخاطب الوجداني يُفضي إلى رنين الصوت أم إلى رنين الصورة.. أللصورة رنين؟! وتذكر بشار بن بُرد: «والاذن تعشق قبل العين احيانا!» وراح رنين صوتها يلاحقه حتى على سجادة صلاته!!.
رن هاتفه وعرفها.. اصبح يعرفها من رنين هاتفها.. رفع السماعة وقال: بعض الفتاوى تأخذ صحة جدوى اهميتها في المعاينة بالصوت والصورة وليس عبر الهاتف بالصوت فقط!!.
ابتهجت.. سوف تراه.. وابتهج سوف يراها...
قالت: الشيطان تاه فيني يأتيني في اكثر الليالي المقمرة.. وكنت اسمع وقع اقدامه فهو يمشي على اطراف اصابعه.. يخفق قلبي.. فأسمع خفق قلبه.. اقلبي يخفق في قلبه.. أم قلبه يخفق في قلبي؟! لا أدري.. اتلمّسه فلا اجده!!
أفيق من نومي.. أنوء باوزار احلامي.. أ للاحلام اوزار؟! أيعاقب الله عباده على الاحلام؟!.
وكان يدور بنظراته فيها يتفقدها في ارتعاش فرائص وجهها واحمرار وجنتيها وتطارف رموش نظراتها وبهاء ضياء غمازتي وجنتيها ورقة الابتسامة على شفتيها.. وكان كلما انحسر خمارها سوت بيدها اطراف شعرها واعادت الخمار على رأسها..
قال لها: لا خلاف توهمي انك تحلمين وانزعيه.. فقد اباح الله على عباده المعاصي في احلامهم.. وتوهم انه شيطانها.. وتوهمت انها في غطيط لذة احلامها.. فالله لا يؤاخذ عباده على المعاصي في احلامهم!!.



أعلى