نبيلة غنيم - رجال على ورق

رجال علي ورق
(1)
الوحدة تقتلها، تتجرَّعها كل لحظة غصباً، تحاول تبديدها، تتوحش الوحدة بداخلها لتنهش روحها المعذبة، تَهِم بالخروج لتتنسم هواء الانطلاق، تحتضن باقة ورد حمراء صغيرة تجلس في انتظار "حسن" تملأ عينيها من حُسن هيئته، تراه مهاباً ، طويل القامة، لبق اللسان. يهل عليها فتهديه ورودها ، تبادله الغرام والهيام، تحكى له لواعج قلبها ، تُخرج من حقيبتها ورقة مكتوب فيها ما لا تستطيع وصفه لخجلها، تسترسل في الكتابة حتى غروب الشمس.





(2)
في الصباح تَتَمَطّي بذاكرتها الموشومة بابن الجيران، تتثاءب، خِدر لذيذ يعترى جسدها الحالم، تفتح نافذتها، تبتسم لـ "سعيد"، الذي ينتظرها في الشُرفة المقابلة، يتشاركان في حديث طويل بعيون شاردة، تشير إليه بقبلة طبعتها على أصابعها، تدعوه لمجالستها ليرى ما كتبت له في ليلتها السابقة.

(3)
اليوم تجلس وحيدة شاردة مع ذكرى " محسن" الذي عاشت معه قصة حب يتجاوز لهيبها قصة ليلى والمجنون، تُعلق صورته على حائط خيالها، تكتب اسمه بأصبعها أمام صورته، تشرب قهوتها الصباحية مع خياله الشاخص في عقلها، تجتر جمال حديثه وبِدْع مفاجآته التى كانت تبهرها، تشعر بروحه تطوقها، تغمض عينيها حتى تذوب في رحلة لا تعود منها إلا في صباح اليوم التالي.

(4)
في حالة من الوجد تتسحب بهدوء إلى سريرها حتى لا توقظ "ممدوح" تتلمس جسده المسجى أمامها، تستنشق أنفاسه تمد جسدها المشبوب إلى جواره، حبل سري غامض يربطها بهذا المخلوق ، لكنها الآن تشعر برعدة تفتت أوصالها، لا تعلم كيف صوَّر لها خيالها بأن الجسد المسجى جثة بلا روح، تبتعد عنه لتدخل حجرة مجاورة، تتجاهل تصوراتها، لكن خيالها لا ينام!.
(5)
خَطى الليل وتسربت نسائم عطر "سامي" إلي قلبها المتوهج بالحب ، تتقوقع في شرنقة جسدها، تتناول أوراقها لتغزل بالحروف نسيجاً يقي روحها من صقيع الحياة، برودة أطرافها تثير في رأسها حكايات تتدثر بها لتدفئة ما يمكن تدفئته.
تتسع قماشة حروفها، تصنع أحلاماً كثيرة، كل حلم ترى في زاويته رجلاً ، تستقبله قبولا حسناً، تُسَمِيه، ترسمه، تُعلقه على حائطها الخالي، ليصبح لديها عالماً وهمياً هائلاً من الرجال، اختارهم قلمها الثائر ليؤنسوا وحدتها، ويفتتوا عجزها.
  • Like
التفاعلات: كفاح الزهاوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى