نور الدين محقق - شعرية المسرح المغربي الحداثي وأبعاده الفكرية والجمالية

1 ـ شعرية المسرح المغربي:
استطاع المسرح المغربي في بعده الحداثي أن يؤسس مجموعة من التجارب المسرحية الفاعلة التي امتدت منذ السبعينيات وواصلت حضورها الفاعل بشتى المظاهر في الثمانينيات لتأخذ مكانها الحقيقي في التسعينيات، رغم أن البعض منها أثبت حضوره في تجارب أخرى قريبة منه بعد أن انتهى زمن مؤسسيها الأولين، كما هو الشأن مع مسرح المرحلة بعد رحيل مؤسسه الفنان حوري الحسين أو مسرح الاستنباط الذي ابتدعه الفنان محمد تيمد دون أن يسميه، والذي كان يعتمد على التعبير الذاتي والبحث عن الجماليات الداخلية من جهة وعن التنبؤات واستشراف الآتي من جهة أخرى. إضافة إلى الاتجاهات المسرحية المتداولة كما هو الشأن مع المسرح الاحتفالي والمسرح الثالث في بعده التأليفي الثلاثي الزوايا أو في بعده الإخراجي ذي الرؤية الجدلية، أو المسرح الارتجالي في بعده التأليفي والإخراج المتكاملين، أو المسرح الانتقادي الذي يصر على نقل الحدث المسرحي وجعله يكون شاهدا على الواقع المعبر عنه بواسطة التخييل وأبعاده اللامحدودة أو المسرح اليومي الذي يريد أن يتصدر جمالية عصره ويستشرف آفاقها الرؤيوية سواء على مستوى التعبير التيماتي أو على مستوى الإخراج الفني ذي المكانة العالية، أو المسرح الأورفيوسي في بعده الأسطوري المتلاحم مع التخييل الواقعي الذي عبرنا عنه في بداية اهتماماتنا المسرحية في مسرحيات كتبناها في ذلك الوقت البعيد متأثرين فيها بهذه الأجواء المسرحية مثل "فاوست والشيطان" و "يوحنا المعمدان" و "يقظة أهل الكهف" و"المهلهل وحيدا" وظلت في مجملها غير متداولة لعدم نشرنا لها من جهة ولأنها لم تأخذ طريقها إلى الركح المسرحي من جهة أخرى إلا في إطار أندية مسرحية صغيرة جدا مما جعلها نسيا منسيا.
من هنا فالمسرح المغربي الحداثي بتنوعاته التعبيرية والجمالية هاته، لا يمكن للباحث وهو يغوص في تجاربه المتعددة والمتنوعة إلا أن يتوقف عند البعض منها ويحاول تفكيك مكوناتها المتحدث عنها إذا هو أراد أن يلم بالعمق الذي يعبر عنه هذا المسرح وبالآفاق التي يسعى للوصول إليها، خصوصا إذا كان البحث الذي يقوم به مؤسسا انطلاقا من شهادة حية ومن مشاهدة واعية لبعض العروض المسرحية المتحققة بالفعل على أراضي خشباته، وليس فقط اعتمادا على النصوص المسرحية المكتوبة رغم قيمتها الجمالية وأبعادها الفكرية.
2 ـ مسرح الحياة اليومية:
تعتبر مسرحية (عبده والكراكيز) للفنان المسرحي المسافر عبر الزمن الأبدي حوري الحسين، معبرة عن مسرح الحياة اليومية، هذا المسرح الذي يحتوي جمالية خاصة به، جمالية تحتفي بالأشياء البسيطة لكن العميقة، التي تقع كل يوم ولا يتم الانتباه إليها، والتي يقدمها هذا المسرح في شكل تعبيري ذي أبعاد فكرية تتميز بالقسوة وبالغضب في رؤيته لها، لكنها تلك القسوة الفنية التي توحي أكثر مما تصرح، وذاك الغضب الذي ينتقد دون أن يكون انتقاده بعيدا عن التعبير الجمالي مهما كانت تعابيره مغرقة في اللغة اليومية بألفاظها الحادة والصريحة. من هنا فإن دراستنا لهذه المسرحية ستنطلق من كونها مسرحية مجسدة على خشبة المسرح وليس مجرد مسرحية مكتوبة على الورق وبالتالي فإننا لن نتكلم عن مسرحية حوري الحسين كما تصورها هو وكما أراد لها هو أن تكون لدى كتابتها وإنما سنتكلم عن مسرحية أخرى تحمل نفس العنوان ولكنها من توقيع ثلاثة أسماء، أولهم الكاتب حوري الحسين وثانيهم المخرج الحسين البكري وثالثهم الممثل إسماعيل شريفي، وهو الممثل الوحيد فيها.
في البدء، وعلى خشبة المسرح، وقف الديكور منتصبا، ديكور أهم ما تميز به هو تناسقه السيميتري، فهناك مثلث خشبي قائم بذاته، علقت عليه أقنعة، وهي رموز مسرحية فيها وحدة واختلاف، وحدة تجلت من حيث الانتماء، واختلاف من حيث الشكل. وفي الجهة المقابلة مثلث آخر هو نسخة طبق الأصل من المثلث الأول، ولكنه يحمل بدل الأقنعة: دمى – كراكيز ، بالإضافة إلى بعض الأقنعة الأخرى، وحبذا لو لم يحملها حتى يكون التضاد حاصلا بين الأقنعة من جهة والكراكيز من جهة ثانية، وبالتالي يكون التضاد مستوفيا كل شروطه، ومن ثمة يخلق لنا ما يسميه كمال أبو ديب في كتابه (جدلية الخفاء والتجلي) بفجوة التوتر، التي هي بؤرة الشعرية عنده إن لم تكن هي بذاتها، وبين المثلين تمركز الديكور – البؤرة: مستطيل خشبي غير ثابت على شكل واحد، فهو يتشكل باستمرار ليخلق أجواء متعددة لتحصر فيها فضاءات النص المشخص. والديكور كما يبدو هنا بسيط للغاية، وهو جد موافق لمسرح الحياة اليومية الذي يعرفه باتريس بافيس، اعتمادا على ما جاء في مقال الأستاذة سامية أسعد (عن مسرح الحياة اليومية) بكونه مسرحا "يسعى إلى العثور ثانية على كل ما هو يومي وإلى تصويره، وبالتالي، فإنه ينقل الأحداث التي تجري على بساط الحياة اليومية إلى مستوى الفن بالشكل الذي يريد هو أن يكون به هذا الفن" من هنا فمسرحية (عبده والكراكيز) بانتمائها لهذا النوع من المسرح، فإنها قد التزمت بنقل أحداث من الحياة اليومية والقيام بعملية مسرحتها، ذلك أنها تحكي قصة شاب بئيس، أو لنقل ولدا شقيا، ولكن ليس بالمعنى الذي يعطيه الكاتب محمود السعدني لولده – بطله في كتابه المعروف (الولد الشقي)، ولكن بمعنى الولد الفقير المشاغب الذي قدر له أن يولد في أحد الأحياء الفقيرة، في أسرة مفككة، يجتمع طرفاها الرئيسيان (الأب – الأم) ليلا على حصيرة واحدة، ويختلفان صباحا، وقد استطاع المخرج أن يقدم لنا مشهد الحرب والسلام الدائرين بينهما باعتماده على كركوزين مختلفين، أحدهما يرمز إلى الأم والآخر إلى الأب، وهنا تألق الممثل إسماعيل شريفي وهو يؤدي دور عبده، الذي حاول أن يتقمص دورين متباينين، ذكر وأنثى، في لحظة مسرحية، لا فسحة فيها حتى لاسترجاع الأنفاس. هذه الأسرة المجني عليها، قد جنت هي الأخرى على ابنها وتركته عرضة للضياع بأوسع معانيه، فكان لابد له أن يعيش حالات مختلفة. هذه الحالات التي لا يجمع بينها أي رابط سوى أنها وقعت لشخصية عبده، جعلت المخرج الحسين البكري يوالي إطفاء الأضواء وإشعالها بين كل مشهد ومشهد حتى يتسنى للجمهور إدراك هذه الحالات. ولكن مع ذلك فهذه العملية أوقعت العرض في مأزق التفكيكية وأفقدته كثيرا من جماليته التعبيرية. من هنا كانت الإنارة حاضرة من حيث إشعال الأضواء وإطفاؤها، وغائبة من حيث وظيفتها الدلالية أولا والجمالية ثانية. أما عن العملية التشخيصية، فقد أدى الممثل إسماعيل شريفي دور (عبده) بكل إتقان، ساعده في ذلك الصوت الجهوري الذي يمتلكه وقدرته على اللعب بجسده يمينا وشمالا، إضافة إلى حضور صوت آخر بجانبه، يأتي من خارج خشبة المسرح، هذا الصوت الذي كان ينادي (عبده) من حين لآخر، آمرا له بالجري:(اجري يا عبده، اجري يا عبده...) والذي يمكن اعتباره صوت الكاتب – المؤلف للمسرحية، الذي يسعى للتحكم في مسار الشخصية التي ابتدعها، منتقدا اغترابها ومضفيا عليها طابعا ذاتيا محضا، قصد الوصول إلى التعبير عن أفكاره هو وليس عن أفكار الشخصية. أما عن الموسيقى فهي في أغلب الأحيان، كانت تسير بموازاة الانفعالات المتحققة على الخشبة، تصعد بصعودها وتهبط بهبوطها، وبالتالي فقد كانت موسيقى تفسيرية، تكاد تخلو من نفحة التوتر الملحمي والصراع الدرامي المتواصل. إن عملية تناولنا لبنية المسرحية هاته في إطارها المنفتح على التشخيص العرضي بمختلف مكوناته لمسرحية من إنارة وديكور وموسيقى، تمنحنا مجتمعة، إذ أضفنا إليها النص المسرحي المكتوب وهو يلقى على لسان الشخصية – الممثل، ما اصطلح على دراسته بالعرض المسرحي. هذا العرض المسرحي الذي منح لمسرحية (عبده والكراكيز) قيمة إضافية، ومكنت بالتالي كاتبها من إمكانية الحضور الفني في أفق تخييلي – بصري جديد، إلا أن التساؤل الفني الذي يمكن طرحه في هذا الجانب، يتشكل كالتالي:"هل يمكن لنا أن نصنع من الحاضر قصة أو رواية ؟..." أو مسرحية كما هو الحال عندنا؟ لندع الكاتب فنافير، يجيب عن هذا التساؤل الإشكالي بما يلي:"الحاضر هو ما يلتصق بنا... لا نستطيع أن نراه، وكيف نمسك بالحياة المعاصرة، المتزامنة معنا ؟ لكننا نستطيع أن نكتب الحاضر. كيف ؟ بتسجيله تدريجيا، كلما وقع في شكل شظايا الحديث مثلا، وبالطريقة التي نعزل شيئا في موجات الكلام المتدفقة. ويبقى بعد ذلك، الانتقال من شظايا الحديث إلى المسرحية... من الجزء إلى الشيء الكامل التكوين"[ii] وهو ما حاول حوري الحسين أن يقوم به وهو يكتب مسرحيته أو الحسين البكري وهو يقوم بإخراجها. لقد حققت هذه المسرحية وهي تتحقق عرضا فرجويا على خشبة المسرح صورة حية لمسرح الحياة اليومية الذي فضل الفنان حوري الحسين أن يطلق عليه مسرح المرحلة.
3 ـ مسرح التخييل الاستنباطي:
لقد أصبح لظاهرة الغموض الفني أبعادها الفلسفية الكامنة في ثناياها، إذ إن هذا الغموض الفني في غالبية الأحيان لا يعيق القارئ أو المشاهد أو المستمع في فهم أبعاد النص المكتوب أو في استكناه محتوى العرض المسرحي، ذلك أن الغموض هنا هو إحدى الجماليات الفنية التي يتستر المسكوت عنه تحتها، وبالتالي فهي ظاهرة صحية، تساعد على تحقيق المتعة الفنية لدى الجمهور، دون أن تغلق عنه باب النظر والتبصر فيما يقدم له. ومن هنا فإن هي تحققت في نص ما أو عرض ما جعلته مثار نقاشات متعددة، تنبعث حينا وتهدأ حينا آخر وتبقى مع ذلك قابلة للظهور طيلة الأحايين ومن ضمن المسرحيات المغربية التي تنهج نهج الحداثة وتسير في أفقه، وتتوفر على هذه الخاصية التعبيرية التي تحتوي الغموض في طياتها نجد مسرحية "ماض اسمه المستقبل". هذه المسرحية التي تنتمي إلى قلم قيدوم المسرح المغربي الحداثي، محمد تيمد. هذا الرجل الذي أغنى المسرح المغربي بتجاربه المسرحية الرائعة إن على مستوى التأليف أو على مستوى الإخراج. نذكر في هذا الصدد مسرحية (الزغننة) من جهة و(ألف ليلة وليلة) من جهة أخرى. أما بخصوص مسرحية (ماض اسمه المستقبل) فإنها قد نحت نحو مسرح الاستنباط الداخلي، مثلها في ذلك مثل سابقاتها، لكنها تميزت عنها بتعددية شخصياتها وبالكرنفالية التي تعتمل داخل بنياتها. تبتدئ هذه المسرحية في شكلها الذي قدمت به، من لدن مخرجها المبدع بوسرحان الزيتوني، أحد المخرجين المسرحيين الفاعلين في تربة هذا المسرح المغربي بعمق وبجدية، بمجموعة من الشخصيات التي قد ارتدت ألبسة اختلفت ألوانها وتعددت دلالاتها، لكن الانسجام كان حاصلا بينها، مما أعطى جمالية فذة تشعر العين المتفرجة بلذة وهي تشاهدها. وكان وسط هذه المجموعة من الشخصيات جثة رجل يخيل للناظر إليها أنها مستعدة للنهوض والعودة إلى الحياة. ولكنها تنتظر من يشجعها على ذلك، وبالفعل يتحقق ذلك، إذ ينظر إليها رئيس المجموعة بعينيه الصامدتين، فتستفيق من سباتها وتسعى نحو الركح الذي وضع في وسط الخشبة الرئيسية، لتصعد إليه فرشاة العمل وتبدأ في صباغة الليل باللون النهاري، وهناك فوق الركح تلتقي بذات مسرحية أخرى، شابة وقوية، ولكنها متلاعبة إذ تسعى لمحاولة بسط نفوذها عليها. ومن هنا، من هذا المنطلق ينبعث الصراع بين الشخصيتين الذاتيتين. إنهما تتوحدان حينا وتفترقان حينا آخر، وهكذا دواليك، حتى يوحدهما أو يكاد أن يوحدهما ما يجري في الأسفل، لولا أن الأمور تأخذ مجرى آخر. وهذا في حد ذاته شيء جميل وممتع، ولكن الحوار الذي كان يقدم للجمهور على لسانيهما، كان يبدو لأول وهلة وكأنه منسوج في إطار مغلق، لا يمكن للسامع – المشاهد أن يستوعب مضامينه إلا إذا افترض أن الذاتين معا تشكلان في نهاية الأمر ذاتا واحدة، تسعى لإقامة توازن داخلي يقيها شر التمزق والتفكك اللذين تتعرض لضغوطاتهما يوميا. وهذا يتطلب أن يكون الإخراج المسرحي مفتوحا، أي أن يسمح المخرج المسرحي لشخصيات النص المسرحي المكلف بتقديمه، بأن تتشكل لوحدها على الخشبة من جهة، ولصراعاتها أن تمتد دون تقطع إجباري يفقدها حدثها ويميتها لحظة تلو الأخرى من جهة ثانية، حتى لا يدع للمجموعة التي في الأسفل تحيى وتنبعث على حسابها، فشخصية هارون الرشيد وشخصية مضحكه بهلول والصراع الدائر بينهما شيء إيجابي ورائع، ولكنه يؤثر على ما يجري في الأعلى. هذا ما قد يتبادر إلى ذهن المشاهد لأول وهلة لدى رؤيته لهذا العرض المسرحي إذ إنه سيراه من وجهة أحادية – تجزيئية، وهذا من حقه كمشاهد عادي، لكنه لو أعاد رؤيته من جديد وتمعن في البنية التي تنطوي تحتها أجزاء العرض المسرحي هذا لرأى أن ما يجري في الأسفل ما هو إلا نسخة توضيحية بالكامل لما يجري في الأعلى، ومن هنا كان التميز. فهذا العرض المسرحي تميز بجمالية فذة منبعثة أولا من النص المسرحي نفسه، ومن الإخراج الفني له ثانيا. ولكنها جمالية الغموض الفني فهناك غموض، ولكن المتمعن في أحداث العرض المسرحي وتحركات شخصياته وما ينشب بينها من أحداث يستطيع أن يتبين الخيط الرفيع الذي يجمع بينها جميعا، يساعده في ذلك الأداء المتميز للممثلين. هؤلاء الممثلون الذين تقمصوا أدوارهم في فضاء الخشبة بشكل مسرحي جيد، على نغمات إيقاعات مسرحية مناسبة، هذه الإيقاعات التي كانت منتقاة بطريقة فنية أخاذة، تسمح للممثلين وتساعدهم على استخراج كل عناصر الصراع الداخلي الذي يعتمل في صدورهم، إضافة إلى ذلك، فقد كان الديكور الذي احتل الخشبة كان ديكورا منفتحا على ذاته، يتشكل حسب رغبات الممثلين، فتارة يكون مجتمعا مما يؤدي إلى تبيان جمالية التوحد وتارة يكون متفرقا خالقا بذلك جمالية التفرد واستعداده للالتحام في أي لحظة مع باقي الأجزاء الأخرى. لقد ظلت المسرحية في إطار ++الفرجوي على خشبة المسرح، منغلقة على ذاتها. يتجلى ذلك في كون شخصياتها الرئيسية انطلقت من أحضان الموت لتعود في النهاية، باستثناء شخصية الشاب التي ألقت بنفسها في وسط الجموع الحاملة لمشاعل النور الوهاج، وسارت معهم في نفس الطريق، أي طريق الحياة، محققة من خلال عملها هذا انفتاحا للمسرحية على الأمل وأبعاده الفكرية والحياتية المتعددة.
4 ـ آفاق المسرح المغربي:
يتضح لنا من خلال هذه الدراسة التفكيكية لمسرحيتين مغربيتين من الريبيرطوار المسرحي المغربي الحداثي في إطارهما الفرجوي الفعلي، أي وهما تتحققان كعرضين مسرحيين، أن المسرح المغربي الحداثي يتوفر على مجموعة من الخصائص التعبيرية الجمالية التي تتميز بالتركيز على الكتابة التي تستنبط الذات من الداخل وتنقلها عن طريق لغة شفافة توحي بالحدث دون أن تفصح عن جزئياته، كما أنها تتحقق عن طريق إخراج مسرحي، يركز على التعبير الجسدي في بعده الجمالي المفصح عن الدواخل دون أن يترك للكلام المسرحي أن يسيطر على مجريات العرض المسرحي، من خلال منح الشخصيات قوة الفعل وصلابة التعبير، وهو ما نجد أن المسرح الاستنباطي الذي ابتدعه الفنان محمد تيمد يتبناه ويدافع عنه، وليس بواسطة البيانات المسرحية، بل انطلاقا من الكتابة المسرحية نفسها. وفي مقابل هذا النوع من المسرح، نجد مسرحا آخر، يعبر عن ذاته وعن قوة حضوره بواسطة استعمال لغة فاضحة، تركز على نقل الأحداث الواقعية، كما يمكن لها أن تحدث على أرضية الواقع تاركة للإخراج المسرحي أن يحدد إمكانية مدها بفسحة التعبير عن نفسها كما هي، عارية من شفافية التعبير الجمالي، ومؤكدة لحضورها من القسوة الحاملة لها بين مفرداتها. كما أن هذا المسرح يركز على مستوى الإخراج المسرحي على الديكورات البسيطة وعلى الاقتصاد في الاكسوسوارات، والحد من فورة الموسيقى وتعبيراتها المتنوعة، بحيث يتحول العرض المسرحي إلى صورة مصغرة يقع خارج خشبة المسرح ذاته، أو بتعبير آخر نقلا لوقائع من الحياة اليومية، وهو ما يتجلى بكامل الوضوح في مسرح المرحلة. وهو ما جعل من هذا المسرح أفقا من آفاق المسرح المغربي الحداثي المتعدد والمختلف، والذي يعبر عن نفسه انطلاقا من الاتجاهات المسرحية التي ظهرت فيه بدءا من المسرح الاحتفالي والمسرح الثالث ومسرح النقد والشهادة وليس انتهاء بها أبدا. فالمسرح المغربي الحداثي يظل منفتحا على اتجاهات مسرحية أخرى آتية من خلال تجارب المسرحيين المغاربة أنفسهم في تعالقها بتجارب عربية وعالمية.

مراجع
3 ـ نورالدين محقق: المسرح المغربي وهاجس البحث عن الحداثة
مجلة (آفاق تربوية) العدد 4، السنة 1991
3 ـ نورالدين محقق: التواصل الإيروسي في المسرح المغربي
مجلة (آفاق تربوية) العدد 10، السنة 1995.


- مجلة فصول (المصرية) العدد الخاص بالمسرح. السنة 1982
[ii] - المرجع السابق نفسه.

نورالدين محقق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى