عبد الواحد السويح - يوميّ

أحرصُ على تفقّدِ أشيائي قبل مغادرةِ البيتِ:
علبة السّجائر والولّاعة وبطاقة الهويّة وبعض الدّنانير وهاتفي الحقير
إحساسٌ دائمٌ أنّي بصددِ نسيانِ شيءٍ مهمٍّ وأنا أغادرُ
أتشاءمُ من العودةِ إذا ما غادرتُ ولا أعودُ مهما كان حجم الّذي نسيتُ
الوجهةُ هذا اليومَ كالعادةِ نحوَ الموتِ
وجهاتي الاستثنائيّة لا تكادُ تُعدُّ
في منتصفِ الطّريقِ تذكّرتُ ما كنتُ خشيتُ أن أنساه
نسيتُ جسدي
لقد أزعجني كثيرا البارحةَ وبالكادِ جعلتُهُ ينام
كانَ يتلوّى من العطشِ
موائدُ الجمرِ منصوبةٌ بعنايةٍ على كلِّ ذرّةٍ من ذرّاتِهِ
قنّينةُ زهرٍ وأخرى من العطرشاء سكبتُهما عليهِ
حدَّثَني عن القهرِ
عن الحرائقِ الّتي شبّتْ في مملكةِ أفراسِ الماءِ
عن طفلٍ أمازيغيٍّ بيعَ في سوقِ النّخاسةِ
عن بورةوازيّةِ السّماءِ
عن أعوانِ الشّمسِ بسيوفهم اللّامعةِ
عن انتحار سمكةٍ
عن آهةِ يمنيَّةٍ لم تبلغ العاشرةَ
لم يصمد الأنتيبيوتيك كثيرا البارحةَ كان حزينا بدورهِ وتاهَ بين موائد الجمرِ المنصوبةِ
بالكاد جعلتُ جسدي ينام
حدّثتُه عن " الملكة التي تحبّها العصافير '1
استدعيتُ له بعضًا من أغاني' إيديت بياف"
تجوّلت بيدي في مختلف مناطقه
أذكرُ أنّي قد قرّرت أن أتأبّطَ حذائي صباحا حتّى لا يستفيق
وها أنا أواصلُ سيري في اتّجاهِ الموتِ دونَ جسدٍ
لن أعودَ لاستعادتِهِ
أُداري اضطرابي بسيجارةٍ تلوَ أخرى
أبدو مرتجفًا في هذا الشّارعِ المليءِ بالقبورِ
أتجوّلُ بينها في اتّجاهِ قبري الفارغِ
وأُعدُّ له في صمتٍ جملةً مناسبةً تفي بالاعتذار



-----------------
1 الملكة التّي تحبّها العصافير كتاب شعري للصديق الشاعر عبد الفتاح بن حمودة كنت قد كتبتُ مقدمته، صدر عن دار الإتحاف للنشر، تونس 2002.

عبد الواحد السويح

- مهرجان المربد بالبصرة 2018.)


L’image contient peut-être : 1 personne, debout

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى