جمعة شنب - قصّة رجل نظيف

قبلَ أن ينامَ غوّاش، كانت في رأسِه مسائلُ كثيرةٌ معلّقةٌ، بعضُها في طريقِهِ إلى الحلّ، وبعضُها الآخر كان مستعصِيًا تمامًا.

كانت في صدرِهِ - أيضًا - مشاعرُ حبٍّ وبغضِ، إزاء البشرِ والحجرِ والشجرِ.

غوّاش صحا من قيلولتِه نظيفًا تمامًا، وبمقدورِنا القولُ: «إنّه صحا كيومِ ولدتْهُ أمُّهُ». لكن بجسمٍ كبيرٍ، وشعرٍ على الرجلين والذراعين وجلدَةِ الرّأس.

جلسَ الرجلُ النظيفُ محايدًا كامرأةٍ بليدةٍ. وراح يحدّقُ في الجدارِ المقابلِ ببلاهةِ دجاجةٍ حديثةِ السّنّ، حتّى ليبدو للناظرِ أنّه بوذيٌّ غارِقٌ في صلاةٍ ما. لكنّ الحقيقةَ هي أَنّه كان نظيفًا، نظافةَ رجلٍ من أهلِ الجنّة.

سارت أمورُه على هذا النحْوِ لساعتين ونصفٍ من وقتِنا الآدميّ، حتّى تنزّل عليه مُنَزَّلٌ ما، وفصلَ الطبقةَ العليا من جُمجمتِه بحَذَقٍ ودرايةٍ، وأدخلَ فيها رقاقةً أنيقةً، ثم أعادَ الجمجمةَ سيرتَها الأولى، وصفعهُ بيديه الثنتين على خدّيهِ الاثنينِ، فوقف، وراح يردّد: «خارطة طريق، خارطة طريق».

وعندما مشى في الشارعِ، ولم يعد يعرفُ أحدًا - بالطّبع - فيما كانوا يعرفونه كلّهم، ناداه أحدُهم باسم غوّاش، فنظر إليهِ ببلاهة، تشبه بلاهتَه ساعةَ صحوِه، وتابع سيرَه على هديِ الخارطة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى