حاميد اليوسفي - عدنان.. الحلم الصغير

إلى والدي عدنان وأهله .. إلى أصدقاء عدنان .. إلى خولة .. إلى المعلمة الزاهية .. إلى أهل طنجة العالية .. إلى كل من تألم لرحيل عدنان .


أنا عدنان يا أهلي وأصدقائي وجيراني . منذ نهاية الصيف وأنا أحلم بالعودة إلى المدرسة . الوباء أفسد علي كل شيء . توحشت* معلمتي وأصدقائي . توحشت خولة الطفلة الأنيقة التي اختارتها المعلمة لتجلس بجانبي . جعلت كل الأطفال يغارون مني . تهمس خولة في أذني بأني أشدهم وسامة ونباهة . وأنا أنتظر ، تمر الأيام بطيئة ، أشعر بالملل داخل البيت . وعلى بعد يوم من افتتاح المدارس ، أخذتني يا أبي الحبيب إلى الحلاق ، ونحن عائدان في الطريق اقتنيت لي قميصا جديدا ، فضلتُ أن يكون بلون البرتقال .
هيأتِ يا أمي الفطور ، وأيقظتني في الصباح . لبست القميص البرتقالي ، لأن خولة تحب لون البرتقال . يوم لحق علي الصيام قلت بأني كبرت وصرت رجلا . كدت مرة أن أتصرف مثل الكبار ، وأطلب منك أن تخطبي خولة لابنك الحبيب . تمنيت لو كبرت بسرعة ، ونبت لي شارب وذقن مثل الرجال ، وانتقيت خولة كما ينتقي النحل الرحيق من الأزهار .
قبل أن أخرج صحبة والدي فحصتِ هندامي ، وأغلقتِ زرّ القميص ، ومررت بأناملك على شعري ، وقبلت جبهتي ، ورافقتنا حتى الباب . التفتُّ فلوحتِ لي بيدك ، وأنت تبتسمين .
فاجأنا باب المدرسة بيافطة عريضة تخبرنا بتأجيل الدخول المدرسي إلى وقت لاحق . أحسست بالإحباط . لم أصدق عيني . طيلة الأسبوع الأخير ، والوزير يطل من التلفاز ، ويعدنا بدخول مدرسي متميز ، ويشرح التوجيهات التي أعطى للمدارس في البروتوكول الصحي .
لم نتوقف كثيرا أمام الباب ، لأتمكن من رؤية أصدقائي وصديقاتي . طلبت منا الشرطة الانصراف .
ونحن عائدان يا أبي سألتك :
ـ هل سيغلقون المدرسة كما حدث في السنة الماضية ؟
فوعدتني وأنت تهمس في أذني :
ـ إذا فعلوا ذلك ، سأشتري لك لوحة إلكترونية من النوع الجيد .
فأجبتك والحسرة تملأ فلبي :
ـ ولكني أحب أن أذهب إلى المدرسة ، وأجلس في القسم مع أصدقائي ، وأستمع إلى المعلمة الزاهية وهي تناديني باسمي :
ـ تعال يا عدنان خذ الكتاب ، ودون هذه الفقرة على السبورة .
أه لو سمعت يا أبي كيف تخرج الكلمات عذبة من فم الزاهية ، وأي وقع تتركه في الآذان ! لو امتهنت الغناء ، لذاع صوتها في كل الأرجاء .
هي تعرف بأن خطي أنيق وجميل مثل صوتها . وأنا أتقدم إلى السبورة ، وألتفت إلى زملائي يغمرني فرح لا أشعر بمثله ، وأنا أقرأ ملخصا لدرس على شاشة الحاسوب . أخجل أن أخبرك بأني أكتب وألتفت لأنظر خلسة إلى خولة ، وهي تبتسم فيشع خطي رونقا وجمالا . في التعليم عن بعد أشعر بالحزن مثل طائر سجنوه في قفص .
قلت لي ونحن عائدان إلى البيت بأن الوباء خطير ، وأن الوضع الصحي في البلد هش وضعيف ، وأن السلطات لديها معطيات ومعلومات حول المرض لا نملكها نحن، وعليها تبني المواقف ، ولو لم تر خطورة في الأمر ، لما أقدمت على مثل هذه القرارات . لننتظر قليلا مثل باقي الناس ، قد تتحسن الأوضاع ، وتعود إلى حالتها السابقة .
شعرت بالضيق داخل البيت . ظل ينتابني إحساس غريب كتمته عنكما يا أبي ويا أمي حتى لا أعكر مزاجكما . أحسست بأني لن أركما بعد اليوم . لن أسمع صوتك يا أمي وأنت تناديني من باب البيت :
ـ تعال يا عدنان . خذ النقود وهات لي علبة طماطم من الدكان واشتري لك شوكولاطة .
لن أر المدرسة. لن أر أصدقائي . لن أسمع المعلمة الزاهية ، وهي تنادي بصوتها العذب :
ـ تعال يا عدنان خذ القلم واكتب على السبورة .
لن أر خولة يا أمي بعد اليوم .
ثمة وحش ينتظرني في الخارج ، سيأخذني إلى عالم مظلم وبعيد . ادعوا لي بالرحمة والمغفرة .
وأنت أيها الجمهور الحزين ، شكرا لتعاطفك معي ، لكن لدي طلب واحد عندك ابحث عن الوحش الذي لا زال يتجول في الخارج ، ويسكن أجيالا من الضباع ، واقضي عليه ، قبل أن يفتك بأطفال آخرين .


* توحشت : كلمة من اللهجة المحلية بمعنى اشتقت .


حاميد اليوسفي
مراكش 13 / 09 / 2020



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى