علجية عيش - أبو القاسم سعد الله رفض الجنسية الأمريكية و رفض منصب "وزير" حفاظا على الوطن و الثقافة

مواقف المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله تحت المجهر
("الأمازيغية" من الإجحاف إلى الإنصاف)
( أبو القاسم سعد الله رفض الجنسية الأمريكية و رفض منصب "وزير" حفاظا على الوطن و الثقافة)

يقول أبو القاسم سعد الله أن فرنسا و إسبانيا و إيطاليا ستظل تعمل كلٌّ من جهته على ألا تتحقق وحدة الشعب الجزائري و لا وحدة المغرب العربي و لا وحدة الوطن العربي و لا وحدة الأمة الإسلامية، إننا في عصر التكتلات و التجمعات، عصر الفدراليات و الجمهوريات المتحدة و الولايات المتحدة، و الجزائر مهما كانت قوية موحدة لا يمكنها أن تقف وحدها أمام العمالقة عندما تدق طبول الحرب أو يتحالف أهل الشر، و قد ركز ابو القاسم سعد الله على دور النخبة المثقفة التي يجب ان تبني فكرة الوحدة العربية و المغربية و الدفاع عنهما و محاربة خصومهما و تنوير الحكام بشأنهما، و قد دفعه حب الوطن إلى رفض الجنسية الأمريكية، حيث قال في مذكراته أن حمله الجنسية الأمريكية يعتبر خيانة لوطنه
images
حقائق مثيرة بل توصف بالخطيرة جدا كشفها المؤرخ أبو القاسم سعد الله في دراسات أجراها حول العديد من القضايا ، لاسيما القضية الأمازيغية و ما مرت به من مراحل، و كيف يمكن تحقيق الوحدة الوطنية، وقضايا أخرى مرتبطة بـ:"الماسونية" التي تمكنت من استقطاب التيار "الفرنكفوني" وعقد مؤتمراتها المشبوهة لاسيما المؤتمرالذي انعقد حول "الأدب الشعبي الجزائري" عام 1994 ، بجامعة قسنطينة، يقول المؤرخ أبو القاسم سعد الله أن سيدة يهودية دخلت الجامعة على أنها فلسطينية لحضور المؤتمر، و هذا بتزكية من بعض الجزائريين المخدوعين، و تحدث كذلك عن مؤتمر"ابن خلدون" الذي انعقد في الجزائر في جوان 1978، ثم الرسالة التي وجهها لأتباع يوغرطة الذين يمجدونه إلى اليوم ، ينصحهم فيها بالعودة إلى رشدهم لأن وحدة الجزائرين لا تنعقد على رمز يوغرطة، كما انفرد المؤرخ أبو القاسم سعد الله بمحور خاص تحدث فيه عن المفكر و المؤرخ مولود قاسم نايت بلقاسم كظاهرة فذّة نبتت على صخرة جرجرة و تشبعت من فكر إخوان الصفاء و ابن خلدون و ابن رشد و غيرهم من فلاسفة عرب و غربيون أمثال كانت، هيغل، فيخته و نيتشه ثم العلاقة التي ربطته بالشاعر مفدي زكريا.

و الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي عرف بأنه عميد المؤرخين في الجزائر من مواليد 1930 في ضواحي قمار بالجنوب الشرقي للجزائر، في بيئة قاحلة طبيعيا وعلميّا، أنهكها الاستعمار الفرنسي، تولاه بالتعليم خاله الشيخ الحفناوي وزوج خالته الشيخ محمد الطاهر التليلي، وتحت تأثيرهما اقتنع والده بتفريغه للعلم وعدم تكليفه بأعمال الفلاحة مثل إخوانه وأقرانه، فأرسله في سنّ الخامسة بجامع القرية لحفظ القرآن إلى أن ختمه كاملا، التحق سعد الله بتونس عام 1947 حيث انتسب كتلميذ مُبتدئ إلى جامع الزيتونة بزادٍ، لم يتعدّ القرآن الكريم وبعض المتون الأساسية، كما تابع أبو القاسم سعد الله دراسته الأكاديمية بامريكا بكفالة من الحكومة الجزائرية المؤقتة، فدرس التاريخ و العلوم السياسية، إلى أن تحصل على شهادة الدكتوراه حول "الحركة الوطنية الجزائرية" في نوفمبر 1965.

في مذكراته قال أبو القاسم سعد الله أنه رفض الجنسية الأميركية، معتبرا ذلك "خيانة وطنية، فهو منذ نعومة أظافره يكافح من أجل أن يكون له وطن هو الجزائر، فكيف يتخلى عنه بعد تحريره؟، عندما كان عبد الرحمن بلعياط وزيرا قال أن رئيس الحكومة الأسبق قاصدي مرباح بعثه إلى سعد الله عام 1988 ليقنعه بتقلد وزارة الثقافة، غير أن أبو القاسم سعد الله رفض هذا المنصب الرفيع كوزير بقطاع حساس جدا، وحين سأله صديقه محمد بلعيد عن سبب رفضه، أجابه "لو قبلت الوزارة لضاعت الثقافة" ، وقد تناول الدكتور محمد أرزقي فراد دراسات المؤرخ أبو القاسم سعد الله بالقراءة التحليلة و التمحيص في كتابٍ عنونه بـ: المؤرخ أبو القاسم سعد الله و الأمازيغية "من الإجحاف إلى الإنصاف"..، هو في الحقيقة كتاب جدير فعلا بالقراءة ، و تحدث المؤرخ محمد أرزقي فراد عن دوره البارز في تخليص التاريخ الجزائري من الكتابة الأجنبية بصفة عامة، ومن الكتابة الاستعمارية بصفة خاصة، و أوضح أن سعد الله اعتبر الكتابة في التاريخ جهادا ثقافيا لإبراز حضور الجزائر في الوطن العربي والعالم قاطبة، لتفنيد مزاعم الاستعمار الفرنسي بأنه لم يكن لها ماضٍ سياسي أو ثقافي.

بالنسبة للقضية الأمازيغية، كان أبو القاسم سعد الله في بداية الأمر من الرافضين أو المعارضين لفكرة ترسيمها كلغة، إلا أنه و بمنهجية علمية تحليلية أعاد النظر فيها و انتهى به الأمر به إلى التراجع عن موقفه الرافض لها، حيث أنصفها حين دعا سنة 1994م إلى إنشاء مجمع علمي لترقيتها و تطويرها بكيفية تنسجم مع سياقها التاريخي المرتبط بوعاء الحضارة العربية الإسلامية، هذا التحول الإيجابي لمؤرخ جزائري معروف عنه بالعلم و المصداقية في تحليل الأحداث و سردها يضيف الدكتور محمد أرزقي فراد يُعَدُّ مكسبا للقضية الأمازيغية، حيث ساعد على إذابة الجليد بينها و بين المتحفظين الذين كانوا يخشون أن تكون الأمازيغية مجرد غطاء لتكريس اللغة الفرنسية، و الدليل كما يقول أبو القاسم سعد الله أن اللغة العربية انتشرت بين البربر، و قد عبّر البعض منهم عن خواطره بالبربرية و لكن بحروف عربية، ليوصلوا معلوماتهم إلى قُرّائهم بالبربرية، كما أن المؤرخين كما يضيف لم يحلوا لغز الخطبة الشهيرة لطارق بن زياد هل كنت بالعربية او بالبربرية؟ و في كلتا الحالتين هل كانت شفهية أم مكتوبة؟ و كمثالفقد ألّف العلامة محمد بن علي بن ابراهيم السُّوسي كتابه "الحوض" بالبربرية لكن بحروف عربية و ترجمه إلى الفرنسية المستشرق الفرنسي دومينيك لوسياني عندما تولى إدارة الشؤون الأهلية في حكومة الجزائر، و نشره في اعداد من "المجلة الأفريقية"، والهدف من الحوض هو نشر الفقه الإسلامي بـ: "التمازيغت" أي البربرية بلهجة "وادي السّوس" وهي المنطقة التي يرجع اليها مؤلف الحوض وهو ينحدر من قبيلة "أنداوزال" .

و قد لاحظ هذا المستشرق الذي أتقن اللغة العربية أن عدد كبير من الكلمات العربية قد تبربرت فمثلا توجدذ 33كلمة عربية في مقابل 95 كلمة ذات اصل بربري و هكذا و تبربر الكلمات العربية سببه تأثرها بالنطق البربري، خلاصة القول نرى أن الإسلام وحّد بين جميع أفراد المسلمين، فقد خاطب في كتابه الحكيم عباده بأسماء عديدة ( المؤمنون، يا بني آدم، أيها الناس، يا عبادي..الخ ) و لم يقل أيها العرب.. أيها الأمازيغ..أيها الإباضيون، أيها التوارق، أيها السنّة، أيها الشيعة و ما إلى ذلك، و لم يصنف في كتابه جنسية عباده ( أيها الجزائريون.. أيها المصريون.. السعوديون، العراقيون، أيها المغاربة، أيها الأتراك، و هو الذي أدرى بالناس و الأجناس، فالله عز و جل فرّق بين عباده بـ: "التقوى" فلا فرق بين عربيٍّ إذن و أعجمي و لا فرق بين أبيض و أسود، كما لا فرق بين غني و فقير، و المؤمن كيسٌ فطن، يقول أبو القاسم سعد الله: إن فرنسا و إسبانيا و إيطاليا ستظل تعمل كلٌّ من جهته على ألا تتحقق وحدة الشعب الجزائري و لا وحدة المغرب العربي و لا وحدة الوطن العربي و لا وحدة الأمة الإسلامية.
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى