بهاء المري - عَبقٌ لم يَزل يَسري..

اعتادَ أنْ يُسَجلُ ذكرياته منذ الصِّبا، ضَربهُ الحنينُ للماضي فعاد يَقرأها، تَوقف عند وصفه لذلك الرَّكب الذي يَمتطي (الحَمير) ذهابًا وإيابًا، بينما هُما في وسَطهِ أو على أطرافه لا يَنفكان من بعضهما.
ثلاث سنوات يَتزامَلان، لم يكن في قريتهما مدرسة إعدادية في ذلك الحين، وإنما في قرية أكبر على مسافة نحو أربع كيلو مترات، وكانت وسيلة الانتقال الوحيدة هي - الدَّواب - (الحَمير) لمِن كان حاله مَيسورًا، أما باقي التلاميذ وهم كُثر؛ يترجلون في عِزِّ الحرِّ والزمهرير.
لفَـتَ نظره أيامها وهو يُسَجَّل، أنَّ حِمارهُ إذا جَنحَ لسببٍ أو لآخر َ بعيدًا عن حِمارتها (*) سُرعان ما يَشُقُ الرَّكب ويَعودُ إليها.
توقفَ - ساعَتها - عند هذا المشهد، وقبل أن يُبدي لها ملاحظته؛ أرادَ أن يَتيَقن، فأجرَى - غير ذي مَرة - عِدةَ تَجارب، يُوجِّه حِماره إلى ناحية أخرى من الرَّكب، فيزوغ ويزوغ ويعود مُخترقًا صُفوف الحَمير الأخرى حتى يصير بجوار حِمارتها، وهكذا في أكثر من تجربة، في البدءِ لم تُصدقهُ حتى أجرَى التجاربَ مرة أخرى تحت بصرها.
انفرجَت شفتاه مُبتسِمًا والذكريات تُناوشه؛ حين وجدَ نفسهُ وقد كتبَ وقتئذٍ واصفًا هذا المشهد: (أحبَبتُها، وأحَبَّ حِمارتها حِماري).



______________________________
(*) كما تُسمَّى أنثى الحِمار (أتان).


  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى