السيد نجم - المشهد الأخير خارج المسرح

افتتاحية: "سوف أحطم لكم نظرية النجم الشاب الوسيم، سوف أكون أول نجم من الشيوخ على خشبة المسرح، أحتاج فرصة فرصة واحدة". إنها مقولة "عم عبده البطل"! لا يكل ولا يمل من تكرارها، ولا أذن سمعته، ولا عين رأته، ولم يخطر على ذهن أحد من ندمائه ورفقاء المقهى أن ما يتفوه به سوف يتحقق، وحده الواثق فيما يقول.

الزمان: ثلاثة أيام مهمة من حياة "عم عبده البطل".

المكان: مقهى على رأس الحارة، حجرة نوم متواضعة أهم ما تحوي مرآة كبيرة بطول الحائط. الشخصيات: هو وبعض رواد المقهى.

المشهد الأول:

التفوا حوله كعادتهم كل ليلة، مقعده في منتصف الحلقة، يسألونه ويجيب، ومن غير سؤال يفيض وينز الأخبار والأحداث العجيبة مقابل فنجان القهوة السادة، فور انتهاء عمله بالمسرح يجالسهم، يسخرون منه، ربما، يكذبونه أحيانًا، يثور عليهم، هم دومًا في انتظاره. اليوم لم يصرخ، لم يتكلم، لم يهمس كعادته، فلحقوه يستفسرون "خيرًا يا عم عبده؟"، "لا أفقدنا الله صوتك، ولا حرمنا من أخبارك"، "ربما قفلوا المسرح"، "تكلم يا رجل؟"، "دعوه لعله يظن أننا نتنفس من أخباره؟".

الرجل داخل جعبة الصمت، يشير إلى النادل بتغيير كرسي النارجيلة. سحب نفسًا عميقًا وأخرج دخانًا رماديًا كثيفًا، بدا وكأنه يخرجه من فتحات رأسه، أخيرًا نطق قائلًا: : يا جماعة أنا قلق جدًا، ثم عاد إلى صمته الغامض، لكنه عاد وتابع: "يا جماعة لقد كلفني الأستاذ المخرج اليوم بدور هام جدًا" ثم جال بعينيه متمتمًا يردد هامسًا: "كم سخروا مني وقهقهوا، كم من العوائق وضعوها في طريقي". سألوه: "من يا عم عبده البطل؟"

نهض، ركل المقعد بقدمه ثم رفع رأسه ومسح عن شفتيه. اتسعت كرتا عينيه ولمعتا، تيبست ذراعاه وقد عقدهما خلف ظهره، ثم أدار ظهره وذهب.

ملاحظة أولى:

الرجل متوسط القامة نحيف، بل هو هزيل القوام، تعلوه عمامة من لون جلبابه، ينتعل حذاءًا متربًا كالحًا، عيناه عسليتان واسعتان، حاجباه متصلبان، جفناه متخيان وهو ما يجعله دومًا رافعًا حاجبيه لأعلى، مما يفرض على سحنته ملامح الدهشة!

"المشهد الثاني":

في مجلسه المعتاد، وسط المجموعة نفسها أمام النرجلية ذاتها، كان عم عبده البطل يسرد ويقول: "بدأنا بروفات المسرحية يا جماعة، المخرج تعبني آخر تعب، قال لى: اسمع يا عم عبده.. أنت تدخل من هنا، تقف رافعًا سيفك، تنظر إلى الأستاذ هاني، وهو جالس هناك في هدوء، تتقدم نحوه وفجأة تسقط السيف وترشقه فى خشبة المسرح، لا بد أن تعبر عن الموقف، أنت جئت كي تقبض عليه وأنت تعلم أنه مظلوم بينما هو غير خائف منك حتى وأنت بسيفك. يقول لك: "لقد شاخ العالم.. شاخ بحيث لن تأتى أيام أفضل!" تأمر جنودك بالقبض عليه، فيقول لك: "إن العزلة عظيمة يا صديق، عظيمة لدرجة أنه حتى الصراع غير ممكن". ثم يسدل الستار.

صدقوني يا جماعة، أعدنا المشهد لأكثر من ألف مرة بروفة على هذا المشهد، المخرج تعبني جدًا قوي خالص، كلها يومين ويكون عبده البطل والبطل عبده على خشبة المسرح. واختفى الرجل، عبده، بين طيات ظلمة الحارة.

حاشية:

عبده لم ينل قسطًا مناسبًا من التعليم، منذ أن حضر من قريته وعمل فى المسرح، ونظرًا لتعلقة بخشبة المسرح والحاحه لأن يمثل، أطلقوا عليه لقب "عبده البطل".

المشهد قبل الأخير:

داخل غرفة النوم الضيقة، أمام المرآة الضخمة، وقف عبده البطل. تلك المرآة الطويلة بطوله هو شخصيًا، اشتراها من إحدى المزادات خصوصًا لأداء البروفات أمامها. يوم أن اشتراها بإصرار أدهش الجميع، فسألوه: "ماذا ستفعل بها؟"، لم يتردد في أن يقول لهم: "سوف أقاتلكم بها وفيها؟!" اعتبروها نكتة وابتسموا ثم تركوها له. انتبه أمام المرآة قاطب الجبين، تقدم بقدمه اليمنى ثم تساءل ماذا سأفعل بقدمي اليسرى؟ لم يجد إجابة حتى انتهى من الأمر كله مجهدًا غير قادر على الوقوف مستقيمًا ها هنا!

المشهد الأخير:

الليلة السابقة على الافتتاح. أمام المرآة ذاتها تهيأ لأداء دور البطولة، يقول: "سوف أعيد حوار وإخراج المشهد بنفسي، لن أترك الجمهور حائرًا في مثل هذه الجمل الغامضة، لن أقول، شاخ العالم بحيث لن تأتي أيام أفضل، سوف أقول: لقد شاخت عقولكم بحيث لن تروا أيامًا أفضل. أكررها ألف مرة ولا أكف حتى تقدم الحراس يحاصروني، أتوسطهم مرفوع الهامة، أتابع وأقول: الآن فقط سوف أتقدم معكم، لكن ليس قبل أن تسمعوها مني، هنا أتوجه إلى الجمهور: لقد فعلت في حياتي كل ما ظننته هو الحق، وكنتم توافقون على ذلك، كنتم تتركون لي مضاجعكم وحافظة أموالكم، ليس خوفًا مني بل حياءً مني وتقديرًا لي. أما أنا فقد عشت بينكم عفيفًا وزاهدًا وبتولا، ولما كان الأمر كذلك، آثرت العزلة!

هنا يجب علي إعادة الجملة الأخيرة أكثر من مرة، مرة ببطء، ومرة بقوة وصوت عال، ومرة واقفًا، ومرة جالسًا، هذا ما يفعله المخرجون الكبار حتى ينتبه الجمهور ويصفق بشدة، بشدة تكفي لتمزيق جدران حوائط المسرح، لن أكف وأتابع الجملة نفسها، الجمهور يشاركني بصوتهم البشع، أصمت، أصمت.

لكنني أتابع ثانية: "لقد أحسست بالعزلة، إلا أن العزلة عظيمة، عظيمة إلى درجة أن الصراع غير ممكن! في هذا الموقف يجب ألا أنطق إلا بكلمة واحدة "أي"! يسدل الستار!

خاتمة:

في مكان اجتماع رفقاء المقهى نفسه، كان مقعد عبده البطل شاغرًا، تساءلوا لماذا لم يحضر الليلة بعد افتتاح المسرحية، لم يجدوا جوابًا شافيًا. صعدوا إلى شقته، الشقة مضاءة، ازدادوا طرقًا على باب الشقة حتى حطموه، كانت المفاجأة أن وجدوا عم عبده البطل مرميًا أمام المرآة فاقد النطق والحياة؟ تساءل أحدهم: لكن كيف اُفتتحت المسرحية بدونه؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى