نزار حسين راشد - الطريق إلى أورشليم: روايتي الجديدة

يقول الناقد مصطفى ضراغمة:
"ببراعة استطاع الكاتب نزار حسين راشد تدوير الزوايا الحادة التي تقف حائلاً دون اللقاء الإنساني، فلانت واستدارت ودارت في فلكها.
من خلال الشخصية والحدث، يعرض الكاتب خلفية الصراع الفلسطيني، العربي المسلم، مع الصهيونية،على خلفية تاريخية تنصُب المرايا وتصقلها لتعرضه لنا بصورته الحقيقية، دون تشويه ولا تحريف"
وتعقيباً على هذه الرؤية النقدية اعرض مسار الأحداث
وداد الفتاة الفلسطينية التي ترعرعت على أرض القدس وتشكّل وجدانها هناك، تلتقي بالطبيب السويدي توماس العامل في منظمة دولية في القدس، ويحدث أن يكون توماس هذا هو حفيد الكونت برنادوت الذي اغتالته العصابات الصهيونية عام ١٩٤٨، على خلفية انحيازه للحق الفلسطيني، بصفته ممثلاً دولياً.
حفيده توماس هو أيضاً ممثل دولي، ولكن على الجبهة الأكثر إنسانية، فهو طبيب يتحسس أوجاع الناس الجسدية، ومن هذا الخلال يتحسس أوجاعهم النفسية والتاريخية المزمنة، هذه المتلاز مة التي تتيح له مجالاً أوسع للرؤيا، ومسافة أقرب من هموم الناس ، وعلى خلفية الحق والعدل التي يستحضرها عبر موت جدّه ،يتخذ موقفه المبدئي، لا بصفته المجردة، بل بمد جسور التواصل وأواصره الإنسانية الحقيقية الملموسة، فيتزوج بوداد، قافزاً فوق حوائل الدين والعرق، مقدماً التنازل هو نفسه فيعتنق الإسلام وينطق بالشهادة، كإعلان موقف وليس كتضحية أو كلفة مستحقة الدفع.
إنه يعجب بهؤلاء الفلاحين الذي يتنقل بعيادته السيارة لعلاجهم ، تشده بساطتهم وصدقهم، وحتى لباسهم، وهنا يحضر الثوب الفلسطيني المطرز كرمز لهذه الخصوصية.
ومن خلال التنقل المكاني في العواصم العربية الذي تقتضيه أو تتيحه طبيعة عمله، يعرض لنا الكاتب شريط الأحداث، بين مدها وجزرها، مرة أخرى من خلال الشخصية والحدث، ابتداء باتفاقية كامب ديفد التي قاطعتها أحداث اشتباك مع العدو ، أبرزها إطلاق الجندي سليمان خاطر النار على إسرائيليين عبروا الحدود، وانتهاء بحدث اغتيال السادات نفسه، ثم مرورا بخروج عرفات من بيروت.
هذه الأحداث لا يسردها الكاتب سرداً تاريخياً مجرداً، بل من خلال تفاعلات درامية، فقبل أن يقدم خاطر على عمليته، يحدث احتكاك عابر بينه وبين الطبيب وعائلته بالمصادفة البحتة، وهكذا يتم اختطاف توماس من قبل الموساد الإسرائيلي من قلب القاهرة، في إشارة ضمنية لكم نحن مستباحون ومنتهكون.
ويتكرر هذا الأمر في العاصمة السويدية ستوكهلم على خلفية احتكاك مشابه.
ولكن توماس ينجو في كل مرة ولا يلاقي قدر جده الكونت برنادوت، فالقدر كان سخياً معه، ربما لأنه قُدّر له أن يعيش، ليروي الأحداث ويكون شاهداً عليها، أو ربما ليشهد نهايتها، التي يأمل ان تنتهي إليها.
لقد نجح الكاتب في شدنا إلى حدثه وشخوصه، دون أن يملي علينا شيئاً، بل جعلنا شهوداً بملء إرادتنا على مسار التاريخ، وشركاء فيه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى