علجية عيش - البربر في العهد الإسلامي

تناقض كبير بين المؤرخين القدامى و المعاصرين في سرد الأحداث
من كتاب "أنتروبولوجيا الجزائر و صراع الهوية و الوطنية"
تأليف علجية عيش

ضم المغرب الأوسط (الدولة الجزائرية) في العهد الإسلامي رستميين و زيريين ثم حماديين و زيانيين و حدث بينهم انصهار قوي في بوتقة الخلافة الإسلامية، الأموية منها و العباسية و العبيدية الفاطمية، كان لها وجود بارز و شخصيتها المتميزة و نفوذها إلى شرق افريقيا و خليج عمان، قبل وصول الحماديّين سارت الدولة الرستمية على نهج القرآن و السنة في إقامة العدالة الإجتماعية، فكان نظامها مبني على الشورى و ساد الأمن والسلام بين القبائل


images

خلال هذه الفترة شهدت الجزائر العديد من الثورات بسبب الصراعات الدينية و المذهبية، و تذكر كتب التاريخ عن الثورة التي نشبت بين "النكاريين" بقيادة أبو زيد بن قيدان النكاري المنتمي إلى قبيلة بني يفرن من زناتة، كانت مستقرة في الجنوب الغربي من الجزائر و السلطة الفاطمية، و لم يشر كتاب المسيرة إلى ثورة النكاريين و كيف غذى المذهب النكاري، هذا الصراع، إلا أنه انهزم على يد الخليفة الفاطمي المنصور الذي لقي الدعم الكبير من طرف بلكين زيري بن مناد الصنهاجي قبل أن يقتل و يخلفه ابنه حمّاد مؤسسة الدولة الحمادية في القرن الخامس الهجري، و قد أعلن حماد عدم ولائه للفاطميين و تمسكه بمذهب السُّنَّة.
تداول على الدولة الحمادية ستة ( 06) ملوكٍ تمكنوا من أن يحفظوا أمنها و حدودها من بطش القبائل الزناتية التي تحالفت مع الزيريين، كان المنصور بن باديس سادس ملوك الحماديين الذي نقل العاصمة من مدينة القلعة إلى بجاية، و أنشا فيها دورا لصناعة السفن الحربية و التجارية، كانت بجاية بعد نقل العاصمة إليها مطمع الهلاليين العرب الذين كانوا قد حاصروا القلعة قبل تحويل العاصمة إلى بجاية، يقول عنه ابن خلدون أنه كان مولعا بالبناء و أنه هو الذي حضّر الدولة الحمادية، بعد معركة سبيبة التي كان فيها الحماديون في موقف القوة تجاه الهلاليين، و قد دام ملكه سبعة عشر سنة ( 481-498ه في الإستقرار و الإزدهار، و رغم أنه كان قليل الشغف بالحروب لكنه استطاع أن يواجه الخطر الذي كان يهدد الدولة الحمادية من طرف الدولة المرابطة بكل حذق و شجاعة و الحفاظ على قصورها التي كانت عنوانا للتقدم الحضاري، خاصة قصر اللؤلؤ أو قصر أميمون، و التي بهما أصبحت بجاية عاصمة مشهورة مثل قرطبة و القاهرة و بغداد، كما أظهر المنصور بحكمته نصرا كبيرا على المرابطين لاسترجاع تلمسان، و كاد أن يقضي على المرابطين لولا تدخل امرأة مناشدة إيّاه بوقف القتال، فأبرم عقد السلم بينه و بين المرابطين، و يذكر المؤرخ زهير إحدادن رحمه الله في الصفحة 54 من كتابه "شخصيات و مواقف تاريخية" حربه أيضا ضد بعض القبائل الزناتية، و كيف انتصر عليها، و عمل على ازدهار مملكته إلى أن توفي في سنة 498ه-1104م بعاصمته و اعتلى العرش بعده ابنه باديس.
و يلاحظ اختلاف المؤرخين في عدد الملوك الذين تداولوا على الدولة الحمادية ، فنجد مثلا المؤرخ توفيق المدني [1] ، يقول أن الدولة الحمادية التي دامت 171 عاما، تولى أمرها تسعة (09) ملوك كان لهم السلطان المطلق، أما عن دولة الموحدين فالحديث عنها معقد لإختلاف آراء المؤرخين خاصة بالنسبة لإبن تومرت و مكوثه ببجاية و المدة التي قضاها فيها، ما جعل توفيق المدني يقفز في الحديث عن دولة الموحدين و يمر عليها مرور الكرام في كتابه، رغم أن مؤسسها جزائري و هو عبد المومن بن علي الندرومي، فلم يذكر توفيق المدني رحمه الله سوى مظاهر التقدم العلمي الذي شهدته الدولة و أخذ سكانها بكتاب الله و سنة رسوله و أخذ الأحكام مباشرة من المدونة التي جمعها المهدي بن تومرت، حتى المؤرخ زهير إحدادن رحمه الله كان متحفظا في سرد الأحداث التي وقعت في تلك الفترة ، كون المؤرخين القدماء و المعاصرين كانوا متناقضين في سرد الأحداث، لولا كتاب الأستاذ بورويبة بعنوان: ابن تومرت الصادر باللغة الفرنسية و الذي ضم 37 دراسة تناولت بالبحث الدولة الموحدية.
و قد وجد زهير إحدادن جوابا على أسئلته التي لم يلق لها جوابا عند المؤرخين، و قد ذكرها في الصفحة 71 من كتابه، قبل أن يعرض بالشرح عن الفترة التي قضاها ابن تومرت ببجاية من الصفحة 72 إلى 79 و التي ذكر خروج ابن تومرت و عبد المومن من مدينة بجاية سنة 512 هجرية و هي السنة التي يذكرها ابن خلدون، و خلال تلك المدة استطاع ابن تمرت أن يزرع بذور الخير بين السكان و تغيير المنكر، و جعلهم يتصفون بالتقوى و الوقار بعدما علمهم الدين الصحيح ، و في بجاية كوّن الجماعة الأولى التي اعتمد عليها في تأسيس الدولة الموحدية، ما يؤرق المؤرخين إلى اليوم لماذا عين ابن تومرت عبد المومن خليفة له و لم يعين البشير الونشريسي، و قد أهمل المؤرخون دور هذا الأخير و كيف قتل في الهجوم الذي أمر به ابن تومرت ضد الهلاليين، الملفت للانتباه أن الكثير من الباحثين يتحفظون عن الحديث عن الظاهرة "الهلالية" ، فقد شهد المغرب ظاهرة عنف جديدة عندما غزا عرب بني هلال إفريقيا و خربوا القيروان و نالوا من الحضارة و قوضوا ملك بني زيري، ثم طرقوا باب المغرب الأوسط و هددوا الدولة الحمادية.
أما عن بني عبد الوادي فقد كانوا ينتمون إلى دولة الموحدين، و لما سقطت انفصلوا عنها بقيادة يغمراسن بن زيان و التي سميت الدولة الزيانية على اسمه، كانت الدولة الزيانية أصغر الدويلات في الشمال الإفريقي و اقلها قوة، فلما شعر يغمراسن بأن قبائل بني مرين يزدادون قوة تحالف مع خلفاء الموحدين لكسر شوكة المرينيين، و دخلت الدولة المرينية في قتال مع بني عبد الوادي، و تمكنت من هزيمتهم، فتحركت القوات المرينية نحو تلمسان، و انتصرت على الوجود الزياني ، إلا أن الزيانيين لم يستسلموا و ظلوا يحكمون المغرب الأوسط لمدة ثلاثة قرون، و يرجع الفضل إلى حكمة يغمراسن ، و قد تحدث عنه العلامة ابن خلدون و أشاد بأخلاقه و مكارمه و قوته في حمل الملك، حيث كان أكثر اضطلاعا بالتدبير و الرياسة، كما انه في عهد بني زيان نبغ جماعات من أشهر العلماء و الأدباء و الكتاب و المفكرين، و منهم عبد الرحمن الثعالبي و المقري، غير أن النزاع من أجل الحكم بين ابناء الأسرة الحاكمة عجّل في سقوط الدولة الزيانية، و ساعد في ذلك ظهور دويلات على الساحل انفصلت عن قلب الدولة في تلمسان و مجيئ الغزو الصليبي الإسباني و احتلالهم بجاية ثم استيلاؤهم على وهران، و هنا ظهر الأخوين بربروس، و كان ظهورهما إعلان زوال الدولة الزيانية في عام 962ه-1554م و دخول المغرب الأوسط تحت الحكم الإسلامي العثماني الذي دحر الإسبان الذين قتلوا نحو ثمانية آلاف من الأطفال و الشيوخ و النساء و انتهكوا الحرمات.
يقول المؤرخ أحمد توفيق المدني أن دولة بني زيان ذهبت ضحية محاولات الحفصيين ( ورثة الموحدين) و محاولات المرينيين معا، و كان ملك المغرب ابو سعيد عثمان يحارب مملكة بني زيان في تلمسان من أجل إرغامها على التبعية لبني مرين، فاحتل تلمسان و طرد ملكها أبا زيان و نصب مكانه أب محمد عبد الله، و وصف المؤرخ توفيق المدني هذه الفترة بالقرن المظلم ، انتهك فيه الإخوان حرمة الإخوان، و استدل توفيق المدني بما كتبه المؤرخ امبارك الميلي و عبد الرحمان الجيلالي حول الحروب الداخلية التي دارت في الدولة الزيانية في وقت كان ملوك إسبانيا يترصدون مثل هذه الأمور خلسة و يترقبون الظروف المواتية للقضاء على دولة الإسلام بالشمال الإفريقي.
علجية عيش

[1] - أنظر كتابه "هذه هي الجزائر" ص 40

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى