غدير ميرغني - مسرح الطفل

علاقة الأطفال بالمسرح و الدراما وطيدة، فالطفل قبل أن يتعلم الكلام يعبرعن انفعالاته وحاجاته بالتمثيل (أو قل بالتقليد)، ثم تلازمه محبته بالقصص التمثيلي (الأحاجي -* الاساطير – القصص – الخ)، فمسرح الطفل هو الفن المقدم للأطفال مراعياً خصائصهم النفسية و النمائية، أي أنه يتنوع وفق الخصائص النفسية لكل مرحلة من مراحل نموء الطفل، وفيه بشكل أساسي: مسرح العرائس والدمي – مسرح الأنسنة (إسقاط ذات إنسانية على موجودات غير الإنسان وجعلها ذات فكر وشعور) – المسرح الدرامي للطفل.

وأهم أهداف مسرح الطفل وفنه إثراء روح الأطفال بقيم الخير والجمال و القيم الإنسانية، لذلك نجد الإطار العام لموضوعات دراما الطفل أو مسرح الطفل هو الصراع بين الخير و الشر وانتصار قيم الخير و الجمال على قيم الشر والقبح، وعند المعالجة الفنية لابد أن يكون هناك حيوية في الآداء مع تجنب السرعة الزائدة، حتى يستوعب جمهور الأطفال ويستطيع المتابعة، كما يجب تجنب البطء والركود حتى لا يحدث الملل، فالطفل يميل للمثيرات القوية ولا ينجذب إلى ساكن أو شاحب، ويشمل ذلك المثيرات الحسية ( كالأصوات والموسيقى – الأغاني – الألوان – الإضاءة – تفاصيل الديكور والملابس- الخ … )، كما يجب احترام ذكاء الطفل وعقله بحذف كل مايمكن أن يستنتجه ويعرفه بنفسه حتى لايشعر أن العرض الدرامي يستغفله، ومراعاة تجنب الرعب و البشاعة حتى لا نسبب الضرر للجملة العصبية للطفل، أو نهزها ونضعف شخصيته وثقته بنفسه والعالم، ويجب الابتعاد عن اللذة المجانية بإثارة الضحك والاستمتاع السهل، ويترافق هذا مع خلو العرض من القيم الأخلاقية والمعرفية ولهذا أضرار تربوية على الطفل.

ومن ضمن مشاكل مسرح الطفل (جاذبية الشر) وهي انجذاب الطفل للشخصية الشريرة ومحاكاتها خاصة إذا كان المؤدي للشخصية بارعاً في الأداء.

وهناك قناعة مترسخة بضرورة مسرح الطفل في التعليم، وبأهمية دراما الطفل في تربية وتشكيل وجدانه ودمجه في المجتمع ومعالجة وتوجيه سلوكه، وبما أن سنين الطفل الأولى هي التي تشكل وتوجه مسيرته في الحياة وتخلق منه هذا الشخص المفيد لنفسه وغيره و الوطن، فلابد من الاهتمام بمسرح الطفل.

عندما نقول مسرح الطفل (دراما الطفل) يدخل تحت هذا العنوان مسرح العرائس، و المسرح الدرامي للطفل، أفلام الكرتون، أغاني ورقصات الأطفال … الخ، لأن الدراما معنى أشمل ولكل عمر نوع مفضل من دراما الطفل يفضله وينجذب إليه، وهو يتناسب مع مراحل من الطفل تناسباً تقريبياً قابلاً للتقارب والمزج في جميع المراحل المذكورة وهي ( سن الروضة، سن الحلقة الابتدائية الأولى، سن الحلقة الابتدائية الثانية) وهي قابلة للتداخل في جميع المراحل على مستوى الشكل و الأدوات الفنية لأعلى مستوى المضمون.

ودراما الطفل ذات تأثير وأثر كبير جداً في تنشئة وتهيئة الطفل للتعامل مع عالم الراشدين، وجميعنا يعايش ويرى تأثر أطفالنا بقنوات التلفزيون وبرامجها والتي غيرت من طريقة تفكيرهم وتعلمهم وتعاملهم الحياتي، فالطفل يٌسقط نفسه على شخصية البطل ويرى فيها ذاته، ومن هنا تأتي ضرورة وضع محاذير للكتابة و تقديم دراما الطفل باستصحاب معاني الخير والجمال فيما نقدمه للطفل، فالطفل خير (خير مطلق بطبعه) ثم يكتسب من خلال التنشئة والتربية الاجتماعية صفاته وسلوكه وأخلاقه، ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام بدراما الطفل فهي تعلمه وتخرج ما بداخله، فالطفل عندما يمثل (يلعب) اللعب التمثيلي يمكننا أن نعرف ما يعاني منه وما يعكر صفو حياته، إن كان إهمال أو عنف أو غيره، فهو يعبر عن هذا من خلال اللعب أو التمثيل، عندما يتقمص شخصية ما يعبر عن علاقته بهذه الشخصية وطريقة تعاملها معه (الام – الاب – المعلم – الطبيب – الخ..).

فن الطفل فن مرن حتى نحن الراشدين نستمتع به ونتفاعل معه، ومرونة مسرح أو دراما الطفل تسع الجميع بما أن المستوى الأدنى من المعالجة الفنية يلائم المستوى الأدنى من سن الجمهور ويمكن للكبار التفاعل معه، لذلك تأتي دعوتنا بضرورة الاهتمام بمسرح الطفل وإدخاله في مناهجنا الدراسية في رياض الأطفال و المدارس فهو وسيلة فعّالة وناجحة ومجربة في التعليم خاصة اذا ارتبط هذا التعليم بالمتعة والمرح واللعب.

وقد بدأ اهتمام الجهات الرسمية في السودان بمسرح الطفل (بشكله الأرسطي) على خشبة المسرح منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأت حركة مسرح العرائس في السودان عام 1976 م بعد حضور الخبراء من جمهورية رومانيا لتدريب الفنانين السودانين على مسرح العرائس، وكانت البداية ( مسرحية سالم الشجاع ) وهي مسرحية مسودنة من تصميم وإخراج روماني، وأول عمل سوداني تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً ( مسرحية ود الخطاب ) تأليف يحى شريف علي، تصميم الديكور والعرائس محمد عثمان عز العرب، الإخراج محمد رضا حسين، وسبق ذلك المسرح المدرسي الذي بدأ مع انشاء معهد بخت الرضا بالدويم عام 1934 م، وكان المنهج يحتوي على مسرحيات الأطفال كما يقوم المعهد بتدريس المعلمين مادة المسرح، ولكن تم تحويل معهد بخت الرضا إلى جامعة وتحول عن أغراضه التي أُنشئ لأجلها وتم تغير المناهج المدرسية، واختفى المسرح المدرسي الذي نتمنى عودته وعودة معلمي الدراما وحصة المسرح للمدارس لما في ذلك من فائدة عظيمة في تنشئة وتعليم الأطفال.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى