جمعة شنب - خماسيّة عبد الصّمد.. قصة قصيرة

1-
هل تعرفون السيّد عبد الصمد؟
إنّه رجلٌ صالحٌ لكلّ الاستعمالات!
وإنّه يعرف شيئًا عن كلِّ شيء..
يعرف تفاصيلَ دقيقةً عن أمزجة السيّداتِ الحوامل..
ويعرف أنّ مونيكا لوينسكي جميلةٌ، وبنتُ كلب..
يعرف -بالضّبط- تكلفةَ ساعةِ يدِ امبراطور اليابان، بالينّ، والإسترليني، واللّيّ الروماني، والرّبّيّة الهنديّة، والبيزو الأرجنتيني..
ويعرف كم تنتجُ المملكةُ المغربيّةُ من السّردين..
يعرف خبايا حياة المرحومة، السيّدة بنازير بوتو ..
ويعرف أكثرَ من قصةٍ شيّقة، وعاديّة، عن اللّاعبِ ميسّي..
يعرف -أيضًا- قصّة أبي ذرٍّ الغفاري..
ويعرف تفاصيلَ دقيقةً، وغير موثّقة، عن مساكن أجداد عبد الملك الحوثي، ومسالك القرامطة، والفايكنج، وفرسان الهيكل، وأين يكثر عبدة الشّيطان..
يعرف اسمَ زعيمِ قبائلِ المايا..
ويعرفُ عددَ سكّانِ السّنغال، وعدد سكّانِ مخيّمِ اليرموك، بعد سبع سنوات..
يعرفُ معلوماتٍ عن أجرامٍ سماويةٍ، غير مؤثِّرة بالمرّة..
ويعرف عيوب محرّكات طائرات البوينج، واسم حفيد مدير شركةرولز رويس..
إنّه يعرف أموراً كثيرةً، تدعو الى الدّهشة، وأمورًا أخرى تبعث على التقيّؤ..
لكنّه لا يريد أن يصدّقَ أنّ أبي، حين ماتَ، أورثنا ثلاثةً وثمانين دينارًا..
يريد مبلغًا أكبر!
2-
إنّه يشبه كثيرين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الحزام النّاري، أيضًا. إنّ لديه أسرارًا كثيرةً، غير ذات قيمة بالمرّة، ولا تهمّ احدًا من أهل حارته، ولا من مواطني جزر الكناري. وإنّه لو غامر وأفشاها، فإنّ أحدًا لن يُعنى بها مطلقًا، حتّى أمّه، السيّدة اللّطيفة.
ثمّ إنك، لو دقّقت النّظر في وجهه، وأمعنت التّفكير في سبب زُرقة خدّيه، فستخرج بنتيجةٍ مؤسفةٍ، غير ذات صلةٍ بما يعتمل في داخله: ستحسب أنّه لا يتعدّى كونه رجلًا ضئيلًا، أصيب بالإمساك، منذ ثلاثة عشر يومًا، فحسْب، لكنّك -أبدًا- لن تتعاطف معه. فمن العيب التّعاطف مع رجلٍ مصاب بالإمساك، مهما عظمت إنسانيّتك، واتّسع صدرك!
3-
عبد الصّمد صاحبي يشعر بانسجام تامٍّ مع كلّ ما يجري. ويمكن القول: إنّ الرّجل مستهترٌ جدًّا، لدرجة أنّه يمكن أن يقهقه، عندما يكون الشيخ في ذروة حماسه، وهو يلقي على الناس موعظة الدفن، على قبر صديقه، الذي ووري التراب للتوّ. وبذا تستطيع القول إنّ عبد الصمد لم يحزن يومًا بالضّرورة.
كما إنّه لم يزر طبيبًا، ولا مرّة، ولم يُحمَل في عربة إسعاف، مثل بقيّة النّاس، برغم أنّ وجهه وجسده العريض، لا يوحيان بعافية ونضارة. لكنّه -صباح اليوم- صحا مكفهرًّا، يشكو ألمًا في لثّته المتورّمة، ونقرًا شديدًا تحت جلدة رأسه، عزاه إلى (العصب السابع) في سِنّه المهشّم.
السيّدة زوجته شعرت بفرحٍ غير معتاد، وهي تأتيه بملح، ركّزته وذوّبته بعناية في كأس الماء، ليتمضمض به.
السّيدة زوجته، في غمرة بهجتها، ناولته الماء المُملّح، وقالت، بعد تنهّدة طويلة: أخيرًا!
السيّدة زوجته، تابعت بصوتٍ مُضغَمٍ مُغَنغنٍ: يا ابن الحرام!
4-
تشتهي وتتمنّى السيّدة لطيفة، أن يكون لعبد الصّمد بعض (شقاوات) الرّجال: كأن يخونها مرّةً واحدةً مثلًا، أو يهدّد بالزواج عليها أربع مرّات، أو تهفو نفسه إلى امرأة أخرى، أو يفكّر بالسّفر، أو يشكو الملل ساعةً، أو أن ينشىء -حتّى- صفحةً على فيسبوك، ويتحدّث إلى الغريبات، جهارًا، أو خلسة، مثل إخوتها الثلاثة، الذين تشكوهم زوجاتهم لها، فلا تجد ما تقول عن عبد الصّمد، سوى الإشارة إلى أنّ الهرمونات الأنثويّة، قد راحت تغزو جسده بشراسة، في العقد الأخير، فتشكّلت في صدره حلمات أرنبة بضّة، وعرضت مؤخّرته بصورة لافتة.
تشتهي لطيفة تهديدًا ما، أيّ تهديد، يتأتّى من طرف عبد الصّمد!
إنّها -في خلواتها القليلة- تتمنّى لو تراه خائفًا من أمرٍ ما. إنّه لا يملك حسابًا بنكيًّا حتّى، ليقع في خطيئة كتابة شيك دون رصيد، بحيث، ذات صباحٍ، يدقّ مُحضر المحكمة بابها، بتبليغ، يطلب توقيعها عليه.
إنّ عبد الصمد رجلٌ مجبولٌ من طينة خاصّة، لا تحبّها لطيفة، والأرجح ألّا تحبّها امرأة أخرى، يكون عليها أن تنام جواره، بحيث يغفو غالبًا، خلال أقل من دقيقتين، من وضع رأسه الكبير، على الوسادة المحشوّة بالدنانير، من الطّبعة القديمة.
5-
يداوم صاحبنا على أكل الدهن نَيْئًا، صباح كلِّ جمعة، منذ ثلاثة عقودٍ تقريبًا. إنّ لديه معتقداتٍ، يصعب التّأثير عليها، في هذه المسألة، وفي مسائلَ أخرى بالطبع. فعصر كلّ خميس يطرح قدّام لطيفة، كيسًا فيه دهنٌ، وأمعاء خراف، وكرشة بقرة هرمة، واسعة، ما يثير غيظ السيّدة، الّتي تتمنّى لو يفعل زوجها ما يفعله النّاس، ويفطر فولًا، أو حمّصًا، أو يستمتع بأقراص الفلافل المقليّة، أو يشتهي بيض الدجاج مقليًّا، أو مسلوقًا، أو مخفوقًا، أو العسل، أو الأجبان والألبان، أو أن يكتفي بشرب القهوة، مثلما يفعل كثير من النّاس في القرن الحالي.
ويمكن القول إنّ المعتقدَ الثابتَ الوحيدَ في حياته، هو الفائدة الذهنيّة والجسديّة المترتّبة على أكل الدّهن نَيْئًا، صباح الجمعة بالتّحديد، وأمورًا أخرى، لا تحظى بنفس الثبات. وغير ذلك تكاد تجزم أن لا معتقد آخر يشغل ذهنه: فعبد الصمد لا يصلّي ولا يصوم ولا يزكّي. لا يؤمن بالله، ولا يكفر به. لا يشرب الخمر، ولا يدخّن السجائر، ولا يتحرّش بالنّساء، ولا يشرب الكولا، بل لديه كيس أعشاب كبير، جفّفها، قبل ردحٍ من الزّمن، يوم صحبه أخوه الى الجبال، فعاد محمّلًا بضُمَمٍ منها، ذات روائح زكيّة وكريهة، طرحها في حوش البيت مدةَ أسبوعين، لتجفّ، فبالت عليها القطط، وذرقت عليها الطّيور، ثمّ لمّها، وحفظها في كيسٍ من الخيش، يسع مئة كيلو من الحنطة!



* منشورة في نفس تاريخ اليوم منذ ثلاث سنوات، حيث لم تكن كورونا في الفضاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى