عفراء فتح الرحمن - ترنح الروح

ﺻﺒﺎﺡ ﺭﺗﻴﺐ ﺍﺑﺪﺃ ﺑﻪ ﻳﻮﻣﻲ، ﺑﺘﻨﺎﻭﻝ ﻓﻨﺠﺎﻥ ﻗﻬﻮﺓ ريتا اﻟﺮﺩﻳﺌﺔ، ﻭﻗﺪ ﺃﻋﺘﺎﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻀﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻭﻟﺘﻲ ﻓﻮﺭ إﺳﺘﻴﻘﺎﻇﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎﺡ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﺍﻟﻤﺤﻼﻩ ﺑﺎﻟﻔﻀﺎﺋﺢ اﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ.
ﻟﻢ ﺍﺗﺮﻙ ﻋﺎﺩﺓ ﺍلإﺳﺘﻤﺎﻉ إﻟﻲ ﻓﻴﺮﻭﺯ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻓﻨﺠﺎﻥ ﻗﻬﻮﺓ أﺭﺗﺸﻔﻪ أﻧﺎ ﻭﺍﻟﻠﺤﻦ.
ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺮ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻗﺪﺱ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻫﺬﻩ ﻓﻲ ﺳﺎﺑﻖ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺑﺎﺗﺖ ﺗﺨﻴﻔﻨﻲ اﻟﻴﻮﻡ ﻭﺗﺘﺴﻠﻞ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ إلي أعماقي ﻛﻠﺤﻦ ﺟﻨﺎﺋﺰﻱ، ﻛﻠﻤﺎ ﻫﺎﺟﻤﺘﻨﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﻩ ﻟﺘﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ.
أحتضر على فراش الذكريات وتنتشلني ريتا من براثين الموت البطيء بصوتها الدافئ الذي لم أكن لافطن له لولا أنني فقدت بصري وأصبح السمع بوصلة الوصل بيني وبين العالم.
ريتا اليوم هي صوت يطوق وحدتي، هي النور المتسلل من الماضي حين كانت صغيرة كانت تختلف عن جميع الأطفال بملامحها الدميمة. كل ماكان يجبرني على النظر لها انها أبنة مونيكا التي سرق السل حياتها بين يدي عندما كنت في رحلة إلي جنوب أفريقيا لإنتشال المرضى إلى بر الحياة، فالعمل ضمن المنظمات الطبية الخيرية كان يرضي ضميري كإنسان ويمنحني الوقت الكافي لدراسة الحياه. كنت أسكن به سخطي من العالم واخدر وعيي بعبثية الحياة.
جئت بريتا إلى منزلي الذي يخلو من كل أشكال الحياة عملت على تربيتها بنفسي أطعمها وحدتي وأجلدها بسياط مخاوفي كلما أخطأت والغريب في الأمر أنها كانت تدس عني ملامحها المنفره كلما أغضبتها ولاتعاقبني بالنظر لوجهها لا أذكر أني رأيتها تبتسم.
لريتا واجهة وليس وجه كانت ملامحها دميمة تصور شناعة العالم، كلما نظرت إليها أتساءل أكانت ريتا غلطة في رحم مونيكا، أم تمخضت مونكيا بؤوسها من العالم؟!
كل هذا، وريتا ككتاب قديم تحفظني بداخلها عن ظهر قلب، قليلة الكلام لكن عيناها تخترق كل أفكاري دون أن تنطق.
اليوم ريتا تنطق عني فقد أصبحت خارطة بصري تقرأ لي الصحف وتبث لي كل ما حجبه الظلام عني.
فالعمي ليس أن تعيش في ظلام، بل أن تستفيق من وهم النور في حياتك وتكتشف أنك معتم في آخر المطاف. كانت الفتيات يعشقن لون عيناي الازرق الذي ورثته عن أمي الاسكتلنديه وهو ما أذكره منها بوصف أبي. فحسب رؤايته قد هجرتنا في صغري، والحقيقة أن أبي لم يكن يثق في النساء ولا البلدان وهذا ماورثته عنه، فكلما سألته عن هويتي أخبرني أنني جزء من العالم لا أنتمي الي جزء منه.
فأنا كنت رجلا حر لم يربطني شعور ولا مكان. رحال كل ما أتركه في المدنية ذكرى في قلب إمرأة. ويمكن أن يكون هذا ماورثته عن أمي.
فاتن فقط من أصابة عجلة قلبي بعضب ليتوقف عندها، هي شابه مصرية كانت تقيم مع أسرتها بحمص، ألتقيتها صدفة وأنا أشتري بعض الأدوات المدرسية لريتا.
فسألتها عن مكان سكنها الذي كان بالقرب مني ولم افطن له يوما.
كنت في صباح اليوم التالي في منزلها أنا وريتا فهي كل عائلتي.
فاتن فتاة شقراء لم تتجاوزالخامسة والعشرون من العمر وأناأربعيني تسلل الشيب إلى رأسي كما تسللت لقبلها من أول نظرة. فتزوجتها ذلك الزواج الذي تمخض عشرة أعوام لنخرج ب أواب ورهف.
حياتنا كانت تتأرجح بين حب بارد وزواج متزن على الدوام. فانا أعيب في نفسي كل ماأحبه بها. دوما ماكنت رجل مزاجي وعصبي وفاتن رقيقه تحلم بحب رؤايات عبير فانا يكفيني
من الحب نظرة تنتهي بمعركة آخر الليل. لكنها لم تشتكي من إنعزالي وكثرة ترحالي، فقد كانت تجد في ريتا سلواها هي والأطفال.
سألتها يوما:
_سعيدة معي؟
_حزينة دونك
توهتني عني، او أنني تحاشيت مواجهة نفسي، فأنا رجل الهروب دوماً
عشت عمراأركض من نفسي، وعيوبي، من ظلي، وضميري أترنح من كأس اللامبالاة حتي وجدت نفسي على اعتاب الخمسين من الغفلة، عمر الطوفان هو أشبه بيقظة مؤلمة تجرف كل ماضيك وتغرقك في حاضر لاتدرك ماهيته.
في هذا الوقت بدأت الخلافات تكثر بيني وبين فاتن. وأقل من ستون دقيقه كانت كفيلة بأن تنهي ستون حلماً من العمر.
عندما قررت فاتن ان نستقرفي مصر بينما كان هذا يحول دون عملي الجديد في سوريا؛ ولم أجد شيء أفجر به غضبي سوى عجلة القيادة.
خرجت منها فاقدا نظري الذي لم اعد بحوجة له وانا لن أرى اطفال ابناءي يركضون عند اقدامي مع تزامن الشيب في رأسي.
أواب ورهف يقيمون بعين غطاها ظلام الحزن منذ ان اختطفهم الموت في ذلك الحادث.
لقد قتلت حاضري ودفنت العمر مع أبنائي وفاتن التي غادرت حياتي عقابا لي. انها لم تكتفي باعوجاع الفرح فسارعت بشيخوخة القلب.هناك توقف العمر ومرت السنين تباعا وانا يأكل عمري التحسر والوحدة، أشباح الشباب تطاردني وعرجة في قدم ريتا تدق على ناقوس الذكرى حتى لايفارقني ذلك اليوم المشئوم.
لااستطيع ان اجزم ان فقداني للبصر عجز ام نعمة لأن الحياة تشفق علي من تعرجات الجسد، فانا اليوم اتحسس وجهي فلااشعر سوى بندبات سنين خوالي. أراني أشبه بقطار تتساقط الناس من محطاتي، وعندما اتوقف اجد نفسي خالي من كل الذين حملت عبئهم داخلي ولايكترثون للتلويح لي مودعين.
إلا ريتا..إلا ريتا
ومن ريتا في قلب عجوز خاصمته الحياة، لفظتة كجيفة للمجهول.

اليوم انا أشبه بخيط الصوف الذي تغزله ريتا وهي بجانبي كل صباح، يتسلل عمري كل صباح كما يتسلل الخيط من سنارتها. انا لم استطع ان ابعد ريتا عني ولا أعلم هل لانها هي من تتمسك بي حبا أو شفقة او لانها لاتجد مصيرا غيري. وانا اترجح بين حبي لها وخوفي من الوحدة واحساسي بالعجز القاتل الذي يجعلني استشيظ غضبا حينا وادخل في دائرة صمت عميقة تارة اخرى وفي احيانا كثيره اكون مسالما بين يدي ريتا. تنتشلني من الحزن بخفة وتهتم بي وتشكلني كيفما شاءت، فيترنح العمر في سنوات غابره إلى ان تشاء الاقدار وينقضي ماتبقى من عمر..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى