سوزان إبراهيم - بورنوغرافيا الحروب.. من يرغب بالتلصص على الضحايا؟!

تتحفنا الفضائيات ووكالات الأنباء يومياً بسيل من الصور «الرائعة» لمآسي الحروب, صور تجعلك تشكر قدرك أو ظروفك أنك لم تكن أحد أبطالها أو كومبارساً فيها وأنك لم تكن على مسافة نفّسٍ أو شهقة من تلك البقعة من الويلات!

بلى يتوجب على المصورين المحترفين التقاط صور «جيدة» تقنياً لعذابات البشر, وأن تكون عالية الدقة بما يتناسب والدقة العالية للصراخ, وأن تكون ألوانها واضحة وضوح الدم والحرائق.

في كتابه «بورنوغرافيا الحرب» يحاول المصور والصحفي الألماني «كريستوف بانغرت»- الذي عمل في مناطق الحروب والأزمات بما فيها أفغانستان ودارفور وباكستان ونيجيريا والأراضي الفلسطينية كما قام بتوثيق الحرب في العراق لصالح صحيفة نيويورك تايمز- يسلّط الضوء في صوره الفوتوغرافية على وحشية الحروب وواقعيتها كذلك دون غربلة أو دون فلترة ليقدم لنا طبقاً جاهزاً لها بكل واقعيتها ورعبها, فمن يريد التلصص على الحروب وهي عارية تماماً؟!

هل يمكن أن يسارع الناس لشراء كتاب يحمل عنوان «بورنوغرافيا الحرب» وما الذي قد يدفع بهم إلى ذلك؟ هل سيرون في ذلك إغراء عرفه بعضهم في المجلات الإباحية أو غير ذلك؟

قد يكون العنوان صادماً ومغرياً في آن معاً: فالعري هنا موجع وفاضح.. والعري هنا إدانة لنا جميعاً حيث لم يتمكن الضحايا المتعجلون من ستر عريهم, أو ترتيب أشلائهم.. ولم يسمح لهم وقت الحرب ولا عين المصور المحترف المتربصة بلحظة مناسبة من تبديل ثيابهم وتعابير وجوههم لتليق بجهد الجميع.

هنا لابأس من أن تكون عفوياً ودون مساحيق تجميل أو ثياب جيدة... هنا ولكي تكون الصورة حقيقية ومؤثرة أرجو أن تبقى ثابتاً للحظة ولا تعضّ على شفة الجرح.. حاول ألا تمسك برجلك المقطوعة ولا حتى برأسك الذي يكاد يتدحرج بعيداً عنك كي تكون اللقطة فاتنة ومقنعة!

يقول صاحب كتاب «بورنوغرافيا الحرب» «إن على المصوّر أن يتغلب على نفسه حتى يتمكّن من العمل في مثل هذه الظروف والحالات غير العادية، وحتى يكون مهنياً في عمله «يجب أن تكون الصور المأخوذة من الحرب عنيفة مثل الحرب نفسها» هذا يليق تماماً بالحرب والضحايا وبنا نحن المشاهدين والشاهدين على عبثية القيم والمبادئ والشعارات التي أنفقنا عمرنا في سبيل تعلمها وتمثلها لنحوز رتبة إنسان متحضر.. وها نحن نعاين كل وقائع الحرب ونذرف الدموع ورصيداً جيداً من التعاطف.. أو الخوف.. أو محاولات الهروب... ثم ننسى...

ستأتي الصور الإباحية للحرب لتنشط ذاكرة من أراد أو يريد النسيان ربما هذا ما أراده الصحفي والمصور الألماني لأننا كبشر نتذكر عبر الصور.. وهكذا تعمل الذاكرة على تنشيط وتفعيل اللقطة الثابتة لتحيلها إلى حدث متحرك في مخيلتنا وقد تتسرب إلينا ثانية مشاعر الخوف والارتعاش وربما رائحة ما كانت متوفرة داخل كادر الصورة؟

هل تخشى النظر إلى هذه الصور الصادمة؟ نعم هذا طبيعي.. ومن الطبيعي القول أيضاً إن ما حدث واقعياً كان أكثر فظاعة.. ولنتذكر أن مثل هذه الصور حدثت بالفعل وأن الأحداث كما يقول بانغرت تكون دائماً أسوأ بكثير مما يمكن أن تعرضه الصورة على الإطلاق!

هل يعاني المصور- مصور فظائع الحروب- من صدمات نفسية؟ هل يعتاد تلك المشاهد ثم تفقد تأثيرها عليه وعلى مخيلته؟ هل يشعر بالخوف لحظة التقاط الصور أم يأتي ذلك لاحقاً؟

إنها الكوميديا السوداء ههنا.. أنت المصور الإنسان مطالب بصور حقيقية وجيدة للألم.. عليك أن تكون أقرب ما يمكنك منه وبما يتيحه لك وقت الخراب.. على قلبك أن يتجمد للحظة فقط وبما يكفي لتخليد صرخة مدوية في صورة ثابتة.. عليك أن تتقن عملك تماماً بينما يتقن الآخرون التعري أمامك.. إذ يتطلب الموقف أن ينسوا كل شيء أمام عدستك!

وبما أن المصور إنسان, ستهاجم تلك الكوادر الثابتة صاحبها لاحقاً- ففي لحظة التقاط الصورة لن يتوفر من ذلك المصور الإنسان إلا عين بارعة وإصبع يضغط برفق أو بسرعة على زر ما.. تالياً سينهض الضحايا من صمتهم ليستردوا لعذاباتهم بعض الاعتبار.. ستطاردك جثة.. أو طفل تحت الأنقاض.. س.. س..... سيكون عليك تذوق بعض ما صنعت أو ما شهدت صناعته!

يعتقد «بانغرت» أن كثيرين ممن عاشوا هذه الظروف غير العادية- من الجنود أو حتى المدنيين في مناطق الحرب- قد يعودون دون أي شيء معهم. وسيكون من الصعب عليهم التعبير عما عاشوه في كلمات. ولهذا يعتقد مرة أخرى أن صوره ستمكنه يوماً ما من الحديث عما شاهده وشهده في الحروب وقد يكتفي فقط بعرض صوره «الرائعة».




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى