مريم الأحمد - لو..

لو تدلّى فوق شفتيّ شاربان أسودان ..و جحظتْ عيناي أكثر..
لو كانت الساعة المعلقة على بطني بين القميص و الصدرية أكثر دقة.. لصرتُ كاتبةً مجنونة مثل مارسيل بروست..
لو كنتُ سائلاً حاراً أو أسرع بالدوران مما تسمح به كرة أرضية تدّعي أنها أمي.. لصرت قطعة بسكوت ذائبة في كأس بللوري مصدوع..
و لاكتشف العم ساراماغو بهيمية البشر أسرع مني..
لو استطال رأسي كبطيخة و استدارت عيناي بذكاء.. لو نما فوق لساني حراشف لاذعة.. لصرتُ شهيرةً مثل المستوحش برنارد شو.. و لعدتُ ركضاَ إلى المشيمة المقطوعة.. لفتحتُ بابَ المزرعة للنمرة المروّضة.. لزأرتُ في وجه الأرض..
كنت سأدع أمي/الأرض تجهض حملها بي.. ذاك إرث دائري يشبه فم القابلة.. و المهد في الحاضنة حيث نامت في حفلتها السيدة الخائبة جداً دولوي و لصحوتُ في تيار اللاوعي مثلها ..
شيءٌ ما.. يشبه أصابع فرجينيا وولف بين السطور المغشي عليها في الكآبة.. و حمى الكتابة..
لو كنت سجينة فكرة سوداء في رأس أبي أو أخي كما دوّنتْ شارلوت برونتي في مذكراتها .. لاستعرتُ حصان روتشيستر و كسرت قدم النمطية و فررتُ قبل الفجر بين السبخات المالحة..
لو كان بين قلبي و الحياة جسر كما في ليالي ديستوفسكي البيضاء لما قذفتْ بكتبي من أعلى النهر و غرقت على إثرها في فنجان شاي بارد..
لو كنتُ دعيّة نبوة.. أو بنتُ إله..
لمزّقتْ جلدي سياط الأساطير الغريبة و لخلّدني علماء المستحاثات..
لكن اليد قصيرة.. و السجاد العجمي في الكوخ حيث نشأت.. حصيرة..
و الكتاب الوحيد الذي ألِفته بين يدي أبي.. كان مغامرات فلاح هارب من كهف الضباع..
كانت العبارة التي رافقت ذاكرتي لأكثر من أربعين عاماً..
.. كان أخي الصغير قد كتبها بدمه فوق سريره.. To be or not to be..
و لكانت الكتابة و بئس المصير ما خبزته و عجنته في تنّور الوحي بين جبال الخيال..
سأتوقف هنا فقد بدأ النعاس يلوح بشراعه الممزق في بحار الأرق..
..
مريم..

تعليقات

يشكل نص لو للشاعرة مريم الاحمد نموذجا لقصيدة النثر في ابهى تجلياتها .. محفوفة باللغة المتينة، والخيال الرحب، والمجاز الرائق والصور الشعرية الزاهية المنتقاة بمهارة شاعرة خبيرة بميكانيزمات الوصف والكتابة الشعرية ، وانت تتوغل في صميم النص تشعر بتوالي الصور وغرائبية التصوير ..وقوة تشكيلها

كل التقدير
 
أعلى