حاميد اليوسفي - نعمة ذات العين الزهرية

إلى روح نعيمة الطفلة الجنوبية بنت الخمس سنوات التي اختفت في ظروف غامضة إلى أن تم العثور عليها جثة هامدة .


خرجت نعمة الطفلة السمراء ، تلعب كعادتها أمام البيت . نادت عليها والدتها بعد ساعة ، ولم تتلق جوابا . أطلت من باب المنزل فلم تجدها . اعتقدت أنها دخلت خيمة إحدى الجارات وعندما يحين وقت الغذاء ستعود إلى البيت .
صلى والدها عبد الله الظهر في المسجد ، وعاد إلى البيت . وجد وجبة الغذاء جاهزة فوق المائدة . سأل عن نعمة ، أجابته فاطمة وعقلها مشوش :
ـ بحثت عنها أمام الخيمة فلم أجدها . اعتقدت أنها ذهبت تلعب مع أطفال أختك هنية ، ولكنها لم تعد . تناول طعامك . لا تنتظرنا ، سأذهب إلى خيمة أختك أسأل عنها .
لبست تاشتاطت* ، ولفت جسمها حتى أسفل إبطيها ، ومررت الجزء الأعلى على كتفها الأيسر . طرقت ثلاثة بيوت ، افترضت أن الطفلة ستتواجد بها . بدأ قلبها يخفق بشدة ، والدمع يسقط مثل قطع حجر صغير من جفنيها ، وتتوعد نعمة إذا عثرت عليها بأن تعاقبها على ما فعلته بها . طرقت كل البيوت ، ولم تعثر على نعمة . بدأت تصرخ وتنادي بأعلى صوتها على ابنتها . أخذت عهدا على نفسها بأن تغفر لها هذه المرة إن وجدتها . وتدعو الله أن تجدها ، ويتوقف هذا الجحيم الذي تتلظى نفسها بنيرانه .
بدأ سكان الدوار يخرجون تباعا . قال أكبرهم :
ـ لا بد أنها خرجت إلى هامش الدوار ، وتاهت عن طريق العودة . تحلي بالصبر يا امرأة . سنعثر عليها إنشاء الله .
تفرق الرجال والنساء على أطراف الدوار . طافوا بكل الحقول الصغيرة المحيطة به ، حتى مالت الشمس إلى الغروب . أوقفوا عملية البحث ، وعادوا من حيث أتوا . بعد صلاة المغرب بدءوا يتوافدون على بيت الضحية . جلس الرجال في غرفة ، والنساء في غرفة مجاورة .
تساءل الجميع بحيرة بعد أن نال منهم التعب ، أين يمكن أن تذهب طفلة صغيرة لا تتجاوز خمس سنوات مثل نعمة ؟
حمّل الأب مسؤولية ضياع البنت لإهمال الأم . رد عليه جاره :
ـ العن الشيطان . كل أبنائنا يلعبون في الخارج أمام المنازل رفقة أقرانهم . البنت صغيرة ولا يمكن أن تذهب بعيدا . الصباح رباح . سنعثر عليها بعون الله .
تبادل الناس الحرص على التحلي بالصبر ، وتفاءلوا بأن الله تعالى سيفرجها في الغد .
عند آذان صلاة العشاء خرج الرجال إلى المسجد ، وبعدها بقليل تفرقت النسوة ، ورفعن أكف الضراعة إلى الله سبحانه بأن تظهر نعمة غدا .
لم يعرف النوم طريقا إلى جفني فاطمة . تتقلب في الفراش . تبكي وكأنها تنام على الجمر . تتخيل نعمة تائهة في الليل ، تتبول في ثيابها من شدة الذعر ، كلما سمعت صوت حشرة أو نباح كلب . ينال منها التعب وتستلقي على التراب ، تفرش اليد اليمنى لخدها فتؤلمها قطع الحجر الصغير .
بعد الانتهاء من عملية البحث لليوم الرابع على التوالي ، تأكد الجميع بأن الفتاة لم تعد موجودة بالقرب من الدوار .
قال عبد السلام :
ـ القضية فيها إن ! ابني قال لي بأنه رأى شخصين غريبين ذلك اليوم في الدوار .
رد عليه محماد :
ـ الراعي ولد الحو قال بأنه رأى سيارة رمادية متوقفة في منعطف الطريق المؤدية إلى السوق .
بعد أن ذهب عبد الله والد نعمة إلى بيته ليستريح من عناء البحث والقلق الذي ينهش قلبه ، قال سي علي الفقيه :
ـ لم أرد الإثقال بالكلام على عبد الله . يكفي المسكين ما يعانيه . الطفلة عيناها زهريتان ، يشع منهما بريق خاص ، كما قالت لي زوجتي . وربما في كفها خط متصل ، يقطع الباطن بالعرض ، أو يقطع لسانها خط طولي . وهذا النوع من الأطفال لا يخطفه إلا من يبحثون عن الكنوز .
اندهش الجميع . كيف غاب عنهم ذلك ؟ وأضاف سي علي عندما لاحظ أن علامات الاستغراب التي ظهرت على وجوه الناس تطلب مزيدا من التوضيح :
ـ المشعوذون الذين يبحثون عن الكنوز يعتقدون بأن الأطفال الزهريين تجري في عروقهم دماء الجن. وهم يتوفرون على قدرات لا تملك العفاريت التي تحرس الكنوز إلا أن تخضع لها .
قال الحسين :
ـ سمعت عن جدي يقول بأنهم عندما يفرغون من استخراج الكنز ، يقتلون هؤلاء الأطفال حتى لا يُفتضح أمرهم .
أضاف سي علي الفقيه :
ـ والبعض يقول أيضا إذا استعصى عليهم إخضاع الجن ، لا يبقى أمامهم غير ذبح الطفل الزهري ، وتقديم دمه قربانا للجن الذي يحرس الكنز .
بعد أكثر من شهر من البحث ، ثم العثور على نعمة جثة هامدة .
خيم على الدوار وبيت عبد الله أجواء العزاء والحزن .
زوجته فاطمة تجلس كل مساء في الفناء وحيدة وحزينة . صورة نعمة لا تفارق خيالها . أحيانا تراها وهي نائمة بجانب زوجها ، تلعب أمام باب المنزل ، تحاول أن تقبض على يدها ، فتستيقظ مذعورة ، فتوقظ عبد الله من النوم .
بعد انتشار الخبر في منصات التواصل الاجتماعي قال يوسف لهبيل* :
ـ لو كنا نتوفر على كلب بوليسي مثل الكلاب التي نراها عند الشرطة والجمارك في التلفزيون لاهتدينا إليها قبل قتلها .
طلب منه أخوه إبراهيم أن يكف عن الهذيان ، فمن أين لمدن الجنوب بكلاب من هذا النوع حتى تتوفر للمداشر والقرى ؟


...................................
*تاشتاطت : زي أمازيغي وهو ثوب اسود أو أزرق غامق ، تلف به المرأة معظم جسدها فلا يظهر منها إلا الصدر والوجه / *لهبيل : المجنون .

مراكش 27 / 09 / 2020


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى