عامر الطيب - كلُ ما يبدو أنه بعيدٌ من يدي

كلُ ما يبدو أنه بعيدٌ من يدي
قريبٌ عن عينيّ؛
ها هي قبعتكِ ها هو لحمكِ ها هو مطرك الغزير
ها هي شفتكِ ها هو دفترك بجلاده الغامق
ها هو معطفك
ها هو بطنك
ها هي قدمكِ
ها هي دناءة كلماتك
ها هو إرثك من الخيبة و الخطيئة و السأم
ها هي حياتك كلها
بدءاً من فطورك بمزاج عال أو متوحش
ثم تأملك الحمائم و الرسائل و الأقفال
ثم صمتك الذي تفضحين
به ثرثرة الأمطار الخائبة
و سكوت الأنهار،
ثم تجهيزك ملابسك بعناية و لامبالاة
ثم دخولك إلى الحمام
ثم قيامك بأمور عادية
يتطلع لها الرجال كما لو أنها تُبتكَر تواً
أمور كان يمكن أن أجدها
قريبة من عيني أيضاً
إلا أنك انتبهتِ ليدي على الفتحة الصغيرة
و كسرت مصابيح الحمام !

إلهي أنت إلهي و إله المسيح و محمّد
و إبراهيم ،
إله ويتمان و بيكاسو
و شكسبير ،
إله بوذا و أبي ذر
و الخنساء ،
إله الطائرة و الجرار و العجلة
و المسمار،
إله النطع و المكحلة و المحبرة و المبضع،
إله اللعب و المحبة و النوح
إله كل شيء يمكنني
أن أعرفه أو أتنكر له أو أبكيه
فلأي حكمة تظل متجهماً
فترعى البذرة
إلى أن تصبح شجرةً
و تحرم الشجرة العالية
من أن تصبح طيراً ؟!

الرجل مجبول على الطيش و الجبن،
على الأخطاء و على العمى
و على الحب،
على كراهية بنات عمه
و الإنبهار بالنسوة الغريبات
بنات الجيران أو المتسولات النصابات
في أقصى المدن،
ومثل ذلك ما حدث
للرجل الذي استيقظ فجأة
بجسد مفكك تماماً
محاولاً بعد عناء طويل
أن يعيد أعضاء جسده إلى أماكنها الصحيحة
بالكاد استطاع أخيراً أن يجد
أغنيته الجامحة،
أغنية الأصابع التي تضرم
النار بالحقول
و البيوت
و ثياب حبيبات ميتات منذ القدم،
بالكاد استطاع أن يجد
يده ليضعها على عينيه !

بدأت الأغنية
فلتنصتي و تهدأي و تبدلي ملامحك
فوراً.
بدأت المباراة
يجب أن تحبي يدي و أعصابي،
مخاوفي
و قفزي مع الكرة من كرسي
إلى آخر.
بدأ الفيلم
يمكنك أن تنضمي إليّ متسللة
من بين انتهابات الأولاد،
في كل بلاد العالم
يصير الجو بارداً
مع موسيقى الأفلام.
بدأتْ حياتنا فعلاً الآن
ينبغي أن نتمدد مثقلين بالكسل
و نكمل المشاهد الفسيحة
من الفيلم في الحلم !

الأماني آه أيتها الأماني
لو كنتِ متاحة مثل جرائد اليوم،
لو أنني قلتُ
أتمنى أن أصير مسافراً
فسافرتُ،
أو أتمنى أن أصير ساحراً
فصرتُ،
لو أنني قلت
أتمنى أن أرى الله
فمتُّ،
أتمنى
أن أعرفه جيداً
فعشتُ إلى الأبد!

عامر الطيب
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى