رحاب شنيب - نتوءات عظمية.. قصة قصيرة

لماذا سافر عمر؟
لم تكفّ أمه عن طرح هذا السؤال الذي تحول إلى نهر في قلبها؟، كانت تجلس على حافة سريره، وتبكي طيلة الوقت، ولم يفلح الأهل والأطباء في إيقافها عن البكاء.
عمر الطالب الجامعي الذي تفانت في تربيته ، ترك البلاد مثل طائر السنونو، حلق بعيدا وقرر ألا يعود .
تقول الحكاية، إن عمر طالب مهووس بالهندسة المعمارية، ظل يرسم المباني واحدة تلو الأخرى، حتى تكدست في قلبه.
كان يصف المدينة، بأنها تشبه القنفذ.
وكان يقول أيضا إن المدينة مشرفة على الموت، ظلّ يدق على الأبواب ويصرخ: المدينة ستموت
المدينة ستموت
سخر الجميع منه، لكنه رأى في المباني العشوائية تراكمات كوليسترولية، ولمح في الطرق نتوءات عظمية .
يتذكر بعد أن عبثت الحرب ببنغازي، وحين دخل وسط البلاد كيف سقطت دموعه مثل سماء مجروحة، رأى آثار القذائف الواقعة على حوش الكيخيا وبابه الكبير الذي آثر الصمت، الزاوية الرفاعية التي تحولت إلى صلوات، عمارة السفينة التي تحولت إلى أمواج، قصر المنار الذي تحول إلى وديان والمنارة التي لكمها الوجع ولكنها وقفت مثل سارية، كان كلما يشاهد لؤي فوناس يزيح عن قلب بنغازي بعض ثقل الركام، كان يشاهد مختنقا أسمنتيا في قلب مساحاتها الخضراء، وكان يشعر بالقاذورات الملقاة على ضفاف الكورنيش مثل سم بطيء يتسرب إلى دمه، لم يحتمل عمر ذلك، ودائما يقول لأمه إن الحياة تشبه الصبة الخرسانية التي حاولوا أن يرمموا بها القشلة فسقطت إحدى أذرعه.
بنغازي بيد واحدة يا أمي ويد واحدة لا تصفق.
في فجر يوم عادي، يمر على المدينة شبيه بغيره، تسلل عمر حاملا حقيبته، وقد قرر الهجرة.
القوارب رغبات المدينة المكبوتة
القوارب قبل مؤجلة
القوارب علب ألوان
واللوحات قلوب تركت دمها على ضفاف الوطن
تقول القوارب : إنني سيرة الوجع
وتقول الحكاية : إن الأم ظلت تبكي على حافة السرير، تسأل "لماذا سافر ابنها؟"،
وإن السؤال تحول إلى نهر
و إن الغرفة تحولت إلى غابة
تقول بنغازي إن في جوفها نهر، يجري منذ الأزل ، على الأرواح أن تمر به بعد الموت لتتطهر وتنسى آلامها.


......
من المجموعة القصصية #تقول_الريح_الغبار_أسئلة
#رحاب_شنيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى