حيدر نواف المسعودي - انثيالات الذاكرة.. قصة قصيرة

تطرق الشمس الابواب ، تغسل الوجوه بدفء الضياء ، يرتدي النهار ثيابه ، صوت فيروز يملأ المكان:
طيري يا طيارة طيري يا ورق و خيطان
بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران
علي فوق سطوح بعاد عالنسمة الخجولة
أخدوني معهن الأولاد و ردوا لي الطفولة
ضحكات الصبيان و غناني زمان
ردت لي كتبي و مدرستي و العمر اللي كان
و ينساني الزمان على سطح الجيران
لو فينا نهرب و نطير مع هالورق الطاير
تا نكبر بعد بكير شو صاير شو صاير
يا زهر الرمان ميل بهالبستان
تيتسلوا صغار الأرض و يحلو الزمان
و ينساني الزمان على سطح الجيران
يفتح عينيه يمسح وجهها بيديه ثم يمسح وجهه ، وكأنه يتمم بماء وجهها ، يقبلها ،يعانقها، يشم عطرها وأنفاسها ،يشاكسها يتأرجح بأطراف ثيابها يرفض كوب الحليب و الافطار ، يحمل كسرة خبز حار يركض الى حديقة الدار ، يفتح الباب يخرج الى العالم ،بضعة خطوات الى الخارج لكي يرى عن كثب وجه المكان والشوارع والآخرين في الخارج ، يرسم كما كل الاطفال على وجه الارض بأطراف غصن يابس جاء من مكان ما ..اشياء تشبه وجوه يعرفها او لا يعرفها وخطوط غير واضحة المسارات ولا النهايات يجمع كومة من الحصى والأحجار يبنى احلاما ودارا ووطنا وأشياء للمستقبل تتصاعد نشوة اللعب والبهجة ..يصفق باقدامه على وجه الارض فرحا يتطاير الغبار وتتطاير الاحلام يطلق العنان لألوان طائرته الورقية، يشاكس هدوء السماوات ،تتعالى شهقاته وضحكاته كلما تعالت الوان الطائرة ،يحاول ابعاد قرص الشمس بيده كأنه يدفع بها بعيدا عنه فقد كانت حرارتها شديدة جدا عليه فتعلو وجهه نشوة غامرة حين يحجب وجهها بطائرته ، ضياؤها الساطع يسرق من عينيه متعة التعلق بالطائرة، يدور فرحا امام باب الدار ، من خلف الباب يأتي صوتها: ادخل يا بني انتصف النهار اصبح الجو حار، لكنه لا زال يدور، ينقطع خيط الطائرة تحلق عاليا الى عنان السماء تبتعد بعيدا ، يحزن كثيرا .. اختفت الطائرة في السماء.
بسبب الحزن وشدة التعب يحس بالإعياء يلقي بجسده على الارض فتتهدم اكوام الحصى والاحجار و الاحلام ،يستلقي تحت ظلال السدرة العتيقة ،اتعبه اللعب ، فيأخذ اغفاءة قصيرة يناديه ،صوتها من خلف الباب ثانية :تعال يابني ادخل الى الدار انتصف النهار واشتد الحر، استفاق .. المكان لم يكن هو المكان وكذلك الزمان .. احس بالبلل في عينيه وعلى خديه برغم انه لم يكن ثمة مطر في الجو .. نهض من على المقعد الذي كان يجلس عليه تحت تلك السدرة العتيقة .. فقد جاء الباص .. رفع عينيه الى السماء حين بدأت بعض قطرات المطر تتساقط .. هبت ريح خريفية حملت اوراق الاشجار التي تملا الشارع وثمة طائرة ورقية ملونة حملتها الريح وكان يركض خلفها طفل محاولا الامساك بها ، ادار وجهه الى الخلف واخذ ينظر عبر الزجاج الخلفي للسيارة لازال الطفل يلاحق الطائرة ..
سمع صوت فيروز يتهادى عبر مذياع السيارة :
طيري يا طيارة طيري يا ورق و خيطان
بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران .....

1/ تموز/2012

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى