جمعة شنب - زحف

أجمعَ موتى المقبرةِ الشماليّة القدماءُ على أنّهم يعانون مللًا فظيعًا، يفوقُ طاقاتِهم، برغم أنّهم موتى.
كان حارسُ المقبرةِ رجلًا فظًّا غليظًا، وسِكّيرًا عِربيدًا، يتعاطى خمرًا رديئةً، سرعانَ ما تذهبُ بعقلِه كلّ يومٍ بعد أذانِ المغرب، فيروح في هلوساتٍ متشعّبةٍ، يستسلم بعدَها لنومٍ عميقٍ ..
وكان الموتى عيّنوا شابًّا حديثَ السّنِّ، أتت على حياتِهِ شاحنة، تحملُ عشرين طنًّا حجارةً، فرقد بجوارِهم منذ بضعِ سنين؛ عيّنوه ليرصدَ الحارسَ في حركاتِه وسكناتِه، فيوافيَهم بأخبارِه، كلّ خمسِ دقائقَ، ويطمئنَهم إلى غرَقِهِ في النّوم، فيروحوا يتذمّرون،عبر ثقوبٍ أحدثوها في جدرانِ قبورِهم، تفاوتت أقطارها، بحسب أقدميّتِهم في الموتِ، فيما يتشاغل حديثو الموتِ بتوسيعِ الكوّاتِ بينهم وبين جيرانِهم.
الّليلةَ؛ وفي ذروةِ مللِهم، قرّر الموتى القدامى نهشَ سقوفِ القبورِ دونما حذر، سيّما وأنّ الحارسَ كان اعتدى على متسوِّلةٍ قبل ساعاتٍ، وبدا متعبًا. ثمّ إنّه تجرّع كمّا مضاعفًا من الخمرِ ..
سرت همهماتٌ بين أهالي القبور القديمة، سرعان ما انتشرت بين السكّانِ الجددِ، فراحتِ الأرضُ تتشقّق، حتى أطلّت رؤوسٌ كثيرةٌ، استنشقت هواءً عليلًا، ملأ أقفاصَهم الصدريّة، وصار بمقدورِهم، للمرّةِ الأولى في مماتِهم، رؤيةُ بعضِهم بعضًا، والكلامُ مباشرةً، فكًّا لفكّ، فعلت هِمَمُهم، وارتفعت سقوفُ طموحِهم، فوقَ سقوفِ قبورِهم، وقرّروا التوجّهَ صوبَ غرفةِ الحارسِ، وقتلَه، ومن ثمّ اصطحابَه معهم في زحفِهم على المدينة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى