عبد الرحيـم الخصـار - أخبئ حزني في شجرة الطرفاء.. شعــر

إلى حليمة الزاهري ، والدتي.


البارحة لم أنم كان طيفك يملأ علي الغرفة
و كلما أطفأت المصباح
أضاء وجهك هذه العتمة
فحال بيني و بين النوم
حينما تصيبني رشحة الحنين
أحدق في سماء قريتي
و أمد يدي إلى الظلمة العالية
كأنما أريد أن أصافحك هناك
و حين يهزمني الانتظار
و يجمد الثلج قدمي الواقفتين لأجلك
أعود إلى حجرتي
مستأنسا بنحيب البرد و المطر
أنظر إلى صورك المعلقة على الجدار
فأشم رائحة الحناء في قدميك
و أتحسس بقايا الكحل في العينين
أتحسس السوار و أقراط الفضة
و قلادة الكهرمان
التي يتدلى منها درهم للملك القديم.
البارحة لم أنم
كان طيفك يملأ علي الغرفة
و كلما أطفأت المصباح
أضاء وجهك هذه العتمة
فحال بيني و بين النوم
أحتاج إليك
سأحفر اسمك على جدع شجرة الكستناء
أرسم بجانبه قلبا كبيرا
و سأحرص على ألا يخترقه أي سهم
سأستل الأعواد اليابسة من حزمة الحطب
لأشكل اسمك كبيرا في باحة البيت
سأرسم وجهك على المرآة ، على الباب
في دفاتري ، و على زجاج النافذة
أريد أن تخترق نظرتي
عينيك الغائرتين في الزجاج
لتلاحق الحياة
و هي تركض خارج الحجرة.
في المساء
حين أعود من المدرسة
مودعا عصافيري الصغيرة
أخبئ حزني في شجرة الطرفاء
أعبر الزقاق القديم
و أصعد الأدراج
لأجلس إلى مكتبي المنسي هناك
كعصفور في قفص،
مغمورا برسائل ماري هاسكل
أشعل شموعا في زوايا الغرفة
و أشعل ما تبقى من الحنين في جوارحي
أقرأ قصائد للشعراء الروس
و أحتسي كأس نعناع كالعادة
طعم المرارة يصعد مع الأنفاس
أنا هنا و أنت هناك
و بيننا تمتد الأيام المستعادة:
كأنك لا تزالين قرب البئر
تسحبين الدلاء إلى بيتنا القديم
تغزلين الصوف في الظهيرة
و تنحدرين مساء
مع نساء القرية إلى الوادي
لتعودي بحزمة الكلأ إلى حملاننا الوديعة
كأن الحملان لا زالت ترعى في ذاكرتي.
البارحة لم أنم
كان طيفك يملأ علي الغرفة
و كلما أطفأت المصباح
أضاء وجهك هذه العتمة فحال بيني و بين النوم
أحتاج إليك
أعلى