هند زيتوني - سأهبُ ما تبقى من العمر للضجر

نقومُ بزرعِ أشجارٍ كثيرة
مع أننا نعرفُ بأننا
سندفنُ عقاربَ الوقتِ
بعدَ قبلتين .
سنهَبُ ماتبقّى من جذورِنا
للتُّرابِ والضَّجر
لم يمنحْنا اللّهُ بما يكفي
من ماءِ قلبِهِ الصَّغير
لنسقيَ أحلامَنا الجافَّة
يدُهُ المضيئةُ تسحبُ الأحياءَ
إلى ساحةِ الدُّجى ليناموا للأبد
ستموتُ القصصُ الصَّغيرةُ
التي حنَّطْناها معاً.
وسيبقى كتابُ الحياةِ وحيداً وجافاً
على رفٍّ خشبيٍّ مهمَل .
يؤلمُني هذا الصراخُ الذي
يلوِّنُ حدودَ الأرض
نهضتْ سيّدةُ الحزنِ من قبرِها
و قرأتْ حكايا الرَّاحلين
ولم تجدْ حرفاً لامعاً في جعبةِ أحد
المدمنونَ على الكتابة
سلَّموا أقلامَهم للبحر
قبل أن تبتلعَهم حيتانُ الحروب
هل سيلقى الشَّاعرُ حتفَهُ
لو شفيَ من الشِّعر ؟
أم أنه سيبتلعُ بحراً عميقاً
لينجوَ من الموت ؟

قلتَ لي :
سنبقى وحيدين تماماً
عاريين مثلَ ظلِّ فزَّاعةٍ ميتة
مثل نجمةٍ منطفئةٍ... دمَّرتْها حروبُ الشياطين
الحياةُ خيمةُ شرٍّ كبيرةٌ
نأوي إليها حين نشعرُ بالجوعِ والكفرِ والشَّبق
الخيرُ وشمٌ لا يولدُ على جلودِنا إلاّ صدفةً
تابوتُ الأحلامِ كبيرٌ جداً
خبَّأتُ فيه حلماً صغيراً
قبل رحيلي بيومين فقط .
سنبقى وحيدين
لأنَّ أصابعَنا ستعجزُ
عن مصافحةِ أحدٍ بخفّة
سترتجفُ وتتلعثمُ
وترمي سلّةَ العمرِ الثَّقيلة .
وتتلاشى
لا بدَّ أن يختفيَ ظلُّ أحدِنا
ليغلقَ بابَ النهاية .
سنبكي على تلك الوجوه المبلّلةِ بالنِّسيان
سوسةُ الوقتِ ستنخرُ صناديقَ الذِّكريات
الرِّمالُ المتحرِّكةُ ستبتلعُ الجماجم
كما تبتلعُ الدُّودةُ لقمةً صغيرةً
دون رشفةِ ماء واحدة
لماذا كان علينا أن نتحدَّث كثيراً
عن الحبِّ والكره
الحياةِ والموت
الحزنِ والفرح ،
مع أننا لسنا سوى جرحٍ صغيرٍ لا
يشفى من موتِه أبداً
قلتَ لي: إنك تعشقُ عيوبي كلَّها
ولكن تخافُ أن أصبحَ أنثى كاملةً
فأعزفُ عن حبِّك .
لم أكن قدِّيسةً في يومٍ من الأيَّام
ولكنني آمنتُ بنصفِ الحقيقة
فقط لأنجوَ من الحياة
اقترفتُ الكثيرَ من الكذبِ لأعيشَ بسلام
أنا سأصبحُ راهبةً ونقيَّةً فقط حين تقبِّلُني بصدق !
هند زيتوني .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى