حوار مع الأديب حسين عبروس.. أجرته: حبيبة غريب

الأديب حسين عبروس لـ:لأنطولوجيا التجربة جعلتني صارما في كل نص أكتبه للطفل
ندعو إلى استراتيجية تجمع بين الكاتب ووزارتي التربية والثقافة
حوار: حبيبة غريب الإثنين 05 أكتوير 2020
ندعو إلى استراتيجية تجمع بين الكاتب ووزارتي التربية والثقافة

«قصة الطفل لعبة مسلّية، لكنها متداخلة الوشائج تسكن في عوالمها كائنات جمالية متنوّعة ومتعدّدة، وكلّما أبحرت في تفاصيلها تدرك تلك الحقيقة التي تصنع في الطفل - شخصيته الثقافية والمعرفية والجمالية، وقد يغفلها الكاتب الذي لا يملك تجربة الكتابة فتأتي مشوّهة في شكلها ومضمونها بدءاً باللغة والأسلوب، وانتهاءً بتفاصيل الموضوع الذي يكون في الغالب مدمّرا لبناء شخصية الطفل في مراحله العمريّة الأولى». هكذا يشرّح الأديب حسين عبروس القصة الموجهة للناشئة، ويفصح بكل جراءة وشجاعة من خلال هذا الحوار عن نظرته لراهن أدب الطفل في الجزائر، كما يتحدث عن تجربته الغنية في هذا المجال.
الشعب: كيف هو واقع أدب الطفل اليوم، وهل هناك ما يلفت الاهتمام ويجيب على تطلعات الناشئة؟
الأديب حسين عبروس: إنّ الحديث على واقع أدب الطفل اليوم في الجزائر وفي الوطن العربي يحتاج منا إلى الكثير من الشجاعة كي نقول عنه كل ما يجب قوله، واقع مزري في حق الأجيال وثقافتهم، وفي حق تحقيق معارفهم المستقبلية، في الوقت الذي هو أدب بكر لم يتطرق الكتاب والمبدعون إلى كل جوانبه الخفية في عالم الطفل.
أدب الطفل اليوم مجرد وعظ ومجرد تطفل على ثقافة الطفل من تلك الفئة التي تتاجر بأحلام الناشئة من أجل الكسب المادي، وما يلفت الاهتمام ويجيب عن تلك التطلعات في حياة الناشئة، هو على الكاتب المختص في أدب الطفل أن يعمق ثقافته، وأن يلم بكل جوانب الطفولة منذ الميلاد إلى مرحلة الشباب وهو يحاول كيف يعالج تلك القضايا المعرفية والجمالية والفنية في الثقافة شعرا ونثرا، وذلك بأسلوب جذاب يساعد الطفل على الإقبال عليه.

* في رأيكم ما هي أسباب التردي الذي عرفه هذا المجال؟
** لقد عرفت الثقافة في الجزائر وفي الوطن العربي ترديا كبيرا على كل المستويات وخاصة ثقافة الطفل، وهناك مجموعة من الأسباب أهمها أن عدد المختصين في أدب الطفل العاملين فعلا لا يتجاوز 166 مختص مقابل أكثر من اثنين وعشرين مليون طفل عربي، وهذا حسب إحصائيات قديمة ألا يعد ذلك فضيحة كبرى في ثقافتنا الموجهة للأطفال؟ تزايد عدد المتطفلين على عالم الكتابة للطفل، الخلل القائم داخل الأسرة والمدرسة، والشارع الذي لا يقر بهذا النوع من الثقافة للناشئة، ويتحمل في ذلك المسؤولية الكاتب والناشر معا والجهل التام لهذا اللون من الأدب والثقافة، ولدور النشر المسؤولية الكبرى في مثل هذا التردي، حيث أنها لا تشتمل على لجان قراءة من المتخصصين أو الانعدام التام لها، عدم إشراف وزارة الثقافة عن تلك الأعمال التي تصدر تحت وصايتها، أغلب النصوص تدخل في خانة الوعظ والإرشاد، والحكي الخرافي الذي لا طائل منه في ثقافة الطفل.

* كيف يمكنكم تصحيح المسار حسب تجربتكم في الميدان؟
** تصحيح المسار يجب أن يكون حسب رأيي في إعداد خطة ثقافية تشتمل ثقافة الطفل من وزارة الثقافة، وبالاشتراك مع وزارة التربية. ويكون الكاتب المختص هو صاحب المبادرة في وضع اللمسات الفنية في هذا المخطط، وأن يكون موضوع ثقافة الطفل يتماشى مع التطور التكنولوجي الحاصل في العالم سواء تعلق الأمر بالكتاب الموجه للطفل أو بالحصص والبرامج الموجهة للأطفال عبر القنوات الفضائية أو عبر المجلات والجرائد المختصة بثقافة الطفل، وأن تشتمل ثقافة النص المكتوب، والأغنية والموسيقى والمسرح والألعاب الفنية، وكل ما يتعلق بالطفل حسب كل مراحل العمر التي يمر بها الطفل من سن الثانية (2) من العمر إلى سن المراهقة وسن الرشد.
ويتضمن تصحيح المسار أيضا إعادة النظر في كيفية الكتابة لفئة الصغار وطريقة وأسلوب التعامل مع النص المقدم للناشئة، وذلك حسب كل مرحلة من مراحل العمر، كما يجب على الكاتب أن يبتكر أساليب فنية جديدة في الكتابة للطفل، وأن يتجاوز حدود التقليد، والطرق القديمة، كما يجب عليه التغيير في المواضيع، وربطها بواقع الطفل وثقافته اليومية من خلال تعامله مع تلك الوسائل التكنولوجية
الحديثة، فلم يعد للخرافات دور في ثقافتنا، ولم تعد للنمطية معنى في ثقافة الأجيال.

* كيف يمكن شد انتباه الطفل لما يقدم إليه من أعمال ومسرحيات وغيرها؟
** شد انتباه الطفل يتطلب من الكاتب المبدع الحرص على التجديد المعرفي في ثقافةو حياة الطفل، وأن يكون الكاتب على ثقافة متعددة تلم بكل جوانب الطفولة النفسية والسيكولوجية، التربوية، الاجتماعية، الثقافية واللغوية، وبذلك يمكنه شد انتباه الطفل من خلال التنوع في الطرق والأساليب التي تبهر الصغير، وتغرس فيه حب القراءة لتلك النصوص الأدبية والمسرحية، وأن يكون النص المسرحي يعتمد على الطرافة والغرائبية، وفي نفس الوقت أن يتضمن أفكارا تربوية هادفة تجعل الصغير في أشد الحاجة إليها، وتتضح الصورة أكثر جمالية وإبداعا عندما يتحول النص المسرحي من المقروء إلى المجسد على خشبة المسرح، بما يشتمل على الديكور، الأضواء، الموسيقى وأسلوب الخطاب الذي يصدر عن الممثل او عن الشخصية الرئيسية في العمل المسرحي.

* كيف يمكننا إعادة الطفل إلى عالم المقروئية؟
** تقول الحكمة المأثورة: «إذا أردت أن تحصد مرة في السنة فازرع قمحا، وإذا أردت أن تصنع جيلا فعليك أن تبذل العمر كله في صناعة الأجيال»، وليس ذلك سهلا ما لم يكن الصانع والزارع من أهل الخبرة والتجربة، تلك الخبرة التي يستثمرها في وضع خطة تربوية هادفة، تشجع الصغار على المطالعة وتكون
على أيدي المتخصصين من أهل المعرفة والتربية، فالطفل يقبل على القراءة انطلاقا من المنافسة
والتشجيع، ووجود المحفز المادي والمعنوي كأن تكون حصة المطالعة في المدرسة حصة تدرج علاماتها في مجموع المعدل العام للنجاح، وتكون محفزا معنويا للطفل، وذلك باختيار النصوص والكتب التي يجب أن يقبل على قراءتها الطفل، في شتى المجالات، وأن تكون تلك النصوص المكتوبة مرفقة بأقراص مسموعة، أو مسموعة مرئية تزيد من رغبة الصغار في المطالعة، وأن تنشأ الوزارة المعنية (وزارة الثقافة) جوائزا هامة في عالم القارئ الصغير، وبذلك يكون المحفز مهما في حياة الصغار للإقبال على الكتاب كإنشاء جوائز للقراءة خلال أيام المعرض الدولي للكتاب كل سنة.

* كيف كانت تجربة حسين عبروس مع الكتابة للطفل؟
** إن الحديث عن التجربة في مجال الكتابة للطفل حديث ذو شجون يجعل الكاتب يتراوح بين الاعتراف وبين دبلوماسية الكتابة، لقد بدأت تلك التجربة عندي منذ الطفولة وأنا أحفظ تلك النصوص والأناشيد في المدرسة، ونمت في ذاكرتي تلك الأنغام الطفولية التي جعلتني أفيض شوقا الى عالمي الطفولة والكتابة، فكانت ترجمان الروح تلك النصوص التي أبوح بها على الورق في شتى المواضيع. وكنت ميّالا للطفولة التي تسكنني مدى الحياة، فدخلت تجربة الكتابة للطفل من باب القراءة الموجهة للأطفال وتجارب كبار الكتّاب الذين قرأت لهم، وتوسعت التجربة وأنا أحاول أن ألمّ بكل الطفل في علم النفس التربوي والمراهقة وعلم الاجتماع. وتلك التجربة جعلتني أكون صارما في كل نص أكتبه للطفل أمارس النقد الذاتي على ما أكتبه قبل النشر، وكانت النتيجة أنني قبضت على أبعاد الكتابة للطفل في مجال القصة والمسرحية والقصيدة الشعرية «النشيد» والكتابة النقدية. فقد نشرت عدة أعمال للأطفال في القصة منها: سلسلة روائع الإبداع 2009، وتشتمل على سبع قصص وقصص أخرى منها حالم يالنور، وتين هينان أجمل ملكات الصحراء والقائد الملثم عام 2013، كما نشرت سلسلة فتوة منها أحمد رضا حوحو ومصطفي بن ابراهيم عام 2005. وفي مجال الشعر للأطفال نشرت مجموعتين شعريتين، وهما ندى الطفولة ومجموعة أغنيات دافئة عام 2008/2007. وقد دخلت تجربة أخرى في عالم الكتابة للطفل، وهي تجربة التنظير لهذا اللون من الأدب وهي رحلة تجربة مع الكتابة، وكان ذلك في كتاب أدب الطفل وفن الكتابة عام 2013، والذي أصبح مرجعا هاما في الدراسات الجامعية عند الطلاب والدارسين في الجزائر وفي الوطن العربي. وبكل تواضع أحسبني واحد من رواد هذا اللون الأدبي في الوطن العربي دون أن أغفل تجارب أخرى على سبيل المثال كتابات صديقنا الكاتب رابح خدوسي الذي أنجز العديد من الأعمال للطفل، ومازلت أحاول أن أقدّم الجميل والجديد للطفل في الجزائر وفي العالم العربي.

* لماذا الاهتمام بالكتابة التاريخية الموجّهة للطفل؟
** من أهم تجاربي في الكتابة للطفل تلك التجربة التي تتمثل في الكتابة التاريخية حول الثورة التحريرية، وبعض الأبطال الذين صنعوا مجدها، وذلك بأسلوب فني ممتع وحقائق تاريخية مدهشة. وهي سلسلة من تاريخنا في عشر قصص، وإنجاز سلسلة تراثية تتناول حياة الصحراء وأسرارها من عشر قصص، وسلسلة علمية تتناول قضايا علمية في الكون ومواضيع متعددة في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والمنطق. وذلك بأسلوب قصصي جميل يساعد الصغار على فهم تلك الأسرار العلمية.

* وهل من مغامرة جديدة في أدب الناشئة؟
** أحاول أن أخوض تجربة كتابة أغنية الطفل بالتعاون مع أحد الخواص المهتمين بالموضوع. ويظل حلمي كبير في مجال الكتابة للطفل الجزائري والعربي. كما أتمنى أن تتحقق تلك الأماني لو كان في العمر بقية، وأنا أرى أنه من حقنا أن تكون أعمالنا الأدبية ضمن المقرر المدرسي في جميع المستويات من المرحلة التحضيرية إلى المرحلة الثانوية، ويكون الطفل الجزائري على صلة وثيقة وما يكتب من أبناء بلده.

حوار/ حبيبة غريب- الجزائر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى