سمير عطا الله - كان الفتى متأبها


عندما أذهب إلى القرية نهاية الأسبوع يكون في انتظاري أسياد السكينة، أعيد قراءتهم في هدوء لا يقطعه إلا الصمت. مؤلفات العقاد ومؤلفات طه حسين ومجلدات التراث والتاريخ. أقرأ كيفما اتفق واثقا أنني سوف أستعيد قديم العباقرة وكأنه جديد ذلك الصباح.

إذ قرأت العقاد عن عمر ابن أبي ربيعة وعصره وغزله، تراءى لي الشبه بينه وبين نزار قباني. كلاهما يدافع عن المرأة عند سواه ويستعبدها شعرا عنده. إلا أنهن في حضرة عمر دائما، زرافات لا فرادى ودائما شقيقات وليس فقط في شهيرته، «قالت الكبرى». وأخبار عمر عن غزواته الغزلية هو من يرويها، شعرا جميلا كذوبا أو شعرا مكررا لا يخرج من دائرة الهائمات به. أو لعله داء الشعراء. فقد سئل سعيد عقل في برنامج تلفزيوني كم امرأة أحب، فأجاب: «هامت بي ثماني نساء». وسئل: «وأنت، ألم تحب؟»، فكرر: «لقد هامت بي ثماني نساء». يا للتواضع الذكوري!

المرة الوحيدة التي وقع جفاء بين نزار وبيني كانت، عندما كتبت في عيده الخامس والسبعين، أتمنى عليه التوقف عن التغني بالغزوات النسائية. قاطعني بضعة أسابيع، ثم عندما التقينا صدفة في «نايتسبردج»، حاولت الاعتذار، فقال ضاحكا: لا تهتم. أنا أعرف أن هناك من دس تلك الجملة على المقال.

كثير من الشعراء تغزلوا بأنفسهم، إلا من العذريين المساكين أمثال جميل بثينة وكثيّر عزة وتوبة ليلى. وتقول طرفة غريبة إن روميو وجولييت انتحرا هياما لكنهما لو تزوجا لكانا طلقا بعد أشهر في خلاف حول مصروف البيت!

وكان ابن أبي ربيعة متأبها ومدعيا، لا يكتفي بوصف الهائمات به بل يصف علامات الثراء والغنى من حوله ومن حولهن. وكان هو ابن تاجر ميسور وسبية من حضرموت. وكان يقال يومها «الغزل اليماني والذل الحجازي». وقال عمر إن جميع جميلات مكة قد تيمن به مثلما تيم سعيد عقل السيدات الثماني، أو مثلما استعلى نزار على اللاتي خطر بهن تجاهل القامة الممشوقة والوسامة المعشوقة كقامة عمر ووسامته.

الخلاصة؟ عباس محمود العقاد عالم من علماء العرب وعلم من أعلام آدابهم. بهر به أنيس منصور كاتبا ومحدثا. وكان يحضر مجلسه كل أسبوع وكأنه ذاهب إلى كنز المعرفة. كانت مصر كلها تنهل من عبقرياته. ومعها العرب. ولا تزال، ولا يزالون.




سمير عطا الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى