إبراهيم قيس جركس - شرح كتاب "ماوراء الخير والشر": (٩)

شذرة [٩] الطبيعة في رأس الرواقيين:

ينتقد نيتشه الرواقية لقولها أننا بجب أن نعيش وفقاً للطبيعة. ((تريدون أن تعيشوا "وفقاً للطبيعة"؟ آه أيها الرواقيون الأفاضل)). لكنه يجادل أنه للقيام بذلك يجب علينا تزييف الطبيعة وتشويهها (تخيّلها على أنها قوّة منظّمة ومتناغمة، تجسّد المبادئ التي قد يتبنّاها البشر). ومع ذلك، فإنّ نظرة نيتشه إلى الطبيعة مختلفة نوعاً ما، فهو يقول:
((تصوّروا كائناً على غرار الطبيعة، مُسرِفاً بلا قياس، لامبالياً بلا قياس، من دون نوايا ولا اعتبارات، من دون رحمة ولا عدل، مثمراً ومقفراً ومُبهَماً على السواء، تصوّروا اللامبالاة عينها سلطاناً _ فكيف يمكنكم أن تعيشوا وفقاً لهذه اللامبالاة؟))
هذه القوّة المسرفة، اللامبالية، اللاأخلاقية، السخيّة، والعَدَمية هي في الأساس غير مبالية بالشؤون الإنسانية. إنها لا تهتم بمشاغل وهموم أي كائن حي، كما أنّها قوّة غير واعية تماماً. هذه النظرة إلى الطبيعة أقرب إلى وجهة النظر الداروينية وقد تتعارض مع وجهات النظر الدينية التي تنسب نوعاً من الغاية أو الهدف أو النظام إلى الطبيعة. طبيعياً كانت هذه مشكلة للمؤمنين المتديّنين (بمعنى، لماذا _إذا كان "الله محبّة"_ وهو نفسه الذي خلق الطبيعة، لماذا يمزّق أفراد الطبيعة بعضهم البعض؟). وتقترح بعض القصص الدينية أنّ السبب في ذلك هو أننا موجودون حالياً في "حالة سقوط" (بسبب "الخطيئة الأصلية" لآدم وحوّاء)، وذلك عندما تنكوّن جنّة جديدة على الأرض، وعمدها سيعيش الذئب مع الحمل كما جاء في الكتاب المقدس (أي أنّ مخلوقات العالم الطبيعي سوق تتعايش في وئام). طبعاً سيشير علماء الطبيعة أنّ انسجام وتوازن في العالم الطبيعي، إنه مجرّد عالم لا أخلاقي (ما يمكن تسميته "بقانون الغاب" أو "البقاء للأصلح").

لكن بالنسبة للرواقيين، فالمشكلة ليست دينية. إنّما تنبع من فكرة أنه بطريقة ما يمكن الوصول إلى الفعل أو الموقف الأخلاقي الصحيح من خلال محاولة العيش بوئام مع الطبيعة. ومع ذلك، كما يشير نيتشه، فإنّ القيام بذلك لن يعني العيش بشكل أخلاقي. لذلك يقوم الرواقي بصياغة صورة للطبيعة وفقاً لمَثَله الخاص _ بطريقة مماثلة للطريقة التي يخلق أفلاطون عالَماً ميتافيزيقياً _وفق نيتشه_ للمُثُل والأفكار التي تعمل كأساس لأفعالنا وأحكامنا الأخلاقية. وتكمن وراء معظم الفلسفات مثل هذه المحاولات لخلق العالم "على صورتها الخاصة". ويجادل نيتشه بأنّ هذا هو الشكل الأكثر تعقيداً لما يسمّيه "إرادة القوة" _ أي الدافع الغريزي للهيمنة على الآخرين والسيطرة عليهم (هذه الفكرة تِعَدّ أساسية ومحورية في فلسفة نيتشه وسندرسها لاحقا في شذرات لاحقة: ١٣، ١٨-١٩، و٢٢).

إبراهيم قيس جركس ٢٠٢٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى