عبد الحسين الشيخ علي - البعد الميتافيزيقي في نص (أخر الحلم) للشاعرة زينب كاظم ألبياتي

في الواقع البيئي والمجتمعي الذي يتعامل مع الفرد ككائن مادي يدفع الفرد عن البحث عالم المُثل (العالم المفقود)، بعد أن سحق المجتمع الذي تعيش به شخصيّته وشوهها، وهنا ينطلق الشخص إلى عالم الخيال وذلك عن طريق اقتراح أساسٍ روحي للإنسانيّة عوضاً عن الأساس الواقعي، وتزداد حدّة الصراع هنا كلّما ازداد وعي الإنسان بذاته، بحيث يصل لمرحلة الشعور بأنّ كلّ ما يحيط به هو عبارة عن ثقل عليه، وقيد لا يستطيع أيّ علاقة أو تواصل اجتماعي إخراجه منه، ومن هنا تنشأ عزلة الفرد يليها اغترابه عن كافّة القيم الواعية المحيطة به والتي تحكمه فيتحول إلى بعد حسي حيث يكون الصراع مع قوى اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة في سبيل تحديد موقف تاريخي من كلِّ ما يحدث حوله، ويشعر بالاغتراب في حالة عدم تحقّق الموقف، ويشعر الفرد هنا بأنّه مسلوب الذات ومستهلكا وبما ان الكاتب او الشاعر هو حالة تحاول ان تفسر هذا الشعور عن طريق ايجاد اكثر الجمل الشعرية والنثرية تطابقا وتعبيرا عن الحركة الحسية الغير ملموسة في الواقع المادي الجامد حسيا والذي كان ولا يزال هو مصدر لهذا الألم من خلال ما وجدناه في نصوص الشاعرة ( البياتي ) ومنها نص ( آخر الحلم ) النثري فيبدو النص كانه استفهامات لا حصر لها عن كثير من الإحداث التي تعصف في الفرد من موت وغياب ووحدة تسايرها الظنون المتحيرة في كيفية التعايش ضمن هذه الجموع من الانفعالات بالاضافة الى يد المجتمع الذي يعيق التفاعل مع الاخرين بعفوية لانه قد تجذرت في أبجدياته إساءة الظن بجنس المرأة وتحررها الوجداني في تحديد بوصلة اتجاه الجسد بكل عفوية لكنه يأبى الا ان يدعها وحيدة في أخر المطاف بعد ان يسلبها عنفوانها وحيوتها فتعود الى ذكريات الماضي لتسعف ما تبقى لديها من أمل حتى وان كان حلما او ظنون فقد بدت كانها عاجزة عن العطاء لانها لم تكن تعلم ان الشعور والاحساس اذا ما خدش سوف يتم اصلاحة باشياء لا تماثله في كل تفاصيله فتعجز عن التفسير؟ كما في اول القصيدة حيث كتبت "
ظننته مفترق طرق
كحبّة ضوء أخيرة نهاية نفق مهجور
نفق تملؤه صور العابرين وصدى قهقهاتهم
ودموعهم الصامتة
لم أكن أعرف ان البياض اذا خُدِش
يستعين بألوان داكنة
واليد المعطاءة يتخللها العقم
فتسير بلا أصابع
ثم تتحول الحواس لديها في بقية النص هو عبارة عن بقايا من فراغ وحزن وقلم تعبر فيه عن خلجات نفسها من حنين وذكريات غير مكترثة بهذا الجدار او القصر او الجواهر فكل ما تريد ان تتركه هو تلك الكلمات التي تعبر عن حقيقة وجودها اذ تعتبر الحب والحنين هو كل ما يمكن ان تتركه بعد ان تلحق بمن مضوا من أحبتها فالعشق والحنين لديها سرمدي الوجود خاص بها فقط اما تلك الماديات فليس لها نصيب في مجريات حياتها لأنها يوما ما ستكون مبعثرة او في ايدي الآخرين وهي تأبى ذلك لانها لا تعبر بها إلى عوالمها الروحانية لانها جمادات لا تشغل مساحة في شعورها ولا تقدم ولا تؤخر حتى وان لم تقتنيها (هاهي كل تركتي , قلم.. نظارة.. حنين مبعثر.. غربة , اما القصور .. الطابوق .. الجواهر , لا تحملني لعوالمي الخاصة )
ومن خلال ما تقدم ومن خلال اغلب نصوص الكاتبة نجد أن البعد الميتافيزيقي يُبرز الصراع فيها حين يدير الفرد ظهره للواقع المحيط به، متجهاً إلى عالم الماورائيّات في محاولةٍ منه لمعرفة وإدراك الحقيقة الفعليّة لوجوده وموقف الكون منه، وذلك لأنّ كافة المعطيات الحسيّة غير كافية لفهم العالم الميتافيزيقي .
آخر الحلم//
ظننته مفترق طرق
كحبّة ضوء أخيرة نهاية نفق مهجور
نفق تملؤه صور العابرين وصدى قهقهاتهم
ودموعهم الصامتة
لم أكن أعرف ان البياض اذا خُدِش
يستعين بألوان داكنة
واليد المعطاءة يتخللها العقم
فتسير بلا أصابع
أصابعي عبارة عن فراغ كبير
يجرح المسافات وآبار الحزن
هاهي كل تركتي
قلم.. نظارة.. حنين مبعثر.. غربة
اما القصور .. الطابوق .. الجواهر
لا تحملني لعوالمي الخاصة
كجبران
اتلذذ بالماء والعشب
بالمدى الشاسع والصخور
بدغدغة النظرة حين تلامسها
شمس عاشقة وناي حزين
غصن أنا تأرجحه الريح
وتستبيحه الطيور المهاجرة




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى