عامر الطيب - عمّا قليل سأجدكِ على مقربة من يدي

عمّا قليل سأجدكِ على مقربة من يدي
ستنامين طويلاً
و تستيقظين على زمن قد تغير تماماً،
على مدن بدت كهدايا قديمة ،
على عيون شغوفة بالأيام التي لا تعود مطلقاً،
على حياتي
وقد ضاع منها الجزء
الذي أحبك منه،
الجزء الذي اقف عليه راسخاً
و متلهفاً.
ستستيقظين
على حياتي وقد بقي
منها الجزء المفعم بالحسبان
الجزء الذي
لن ينعمَ بالسكينة
حتى في الصباح التي تذبل به
الأزهارُ
لئلا تأخذ لونَ الدم!

كن حريصاً على نطفك
كما لو أنها دموع محتشدة و مليئة بالرخام
إن قررتَ أن تضاجع
أية امرأة تعرفها
فقد بكيتَ
إلى أن صارت دموعك
عابرةً
مثل ذرات بليدة من غبار الخشب
إلى أن صار جسدك
مسكيناً
مثل ولد صغير
يزحف نحو الجهة التي يغطس منها !

لقد جربتُ أن أحبك بعيداً عن الأذى
و الرعب و السفر
فلم أستطع
لا يصح أن يصير الموت سلساً
لا يصح أن يصير الجسد
حجرة طيعة
نجيد تفتيتها و التخلص منها
عند الملل أو اللهو.
لقد جربتُ أن أحبكِ وحدي
فلم أستطع أيضاً
دائماً هناك الكتب
المفقودة
و الأمطار ،
دائما هناك العابرون بخطى عابثة،
الطرق اللزجة
و السيارات!

حل الشتاء عندما بدأ حبك
يتشكل من الخشب و الرمل
و الأظفار.
صرت أبرد
لأي كلمة تقال
من أجل الدفء
لأي غابة تشتعل صدفة
أو عن نية مجهولة
لكن كل ذلك لم يعد يهبني
الإلهاء.
أريد أن أحبكِ
كلعنة اليأس و الجوع
في السنة التي يتشكلُ فيها حبكِ
من الأمطار
و يستثني بيتي !

ثمة موت عظيم و موت عادي
ولعل المرء ليس قلقاً
إزاء كل ذلك
لأن موتنا العظيم
يعني أن نجهز أي شيء
و نودع أهلنا و حقولنا و آلامنا أيضاً.
و موتنا العادي
يأتي مصادفاً لعطل ما :
تنتهي بطارية الساعة ،
يقف الميل على منتصف الطريق
فنموت !

أنت ريح معتمة
لم تضعْ كلياً بين الأشجار و الجدران .
تهبّين في اللحظة
التي نلملم بها جرائدنا
و تموتين في اليوم
الذي نبكيه زيادةً عن اللازم.
أنت وردة أو حقيبة
أو مكحلة،
شيء مصنوع لتسلية العجائز و الأطفال.
مكان محجوز لكلمة مالحة
مكان في الدفتر الصغير
أو على يدي
أنت أخيراً ليلة طويلة يصعب معرفة تلك الأشياء
التي تتسرب منها :
قمر للرحالة
و مصباح للمهزومين !

أنا أحبك وهذا يكفي
لأضع بيضتين في اليوم
سأكون محسودةَ دجاجات الحقل
مع ذلك الألم الزائد
سيقلن بحنق أيضاً:
"من أجل ديك عابر
تضع بيضتين
موجعة نفسها زيادة عن الأمر"
لعلهن فهمن الحب أفضل
مما أفهمه.
بيضة واحدة كافية،
فلم نرهق حياتنا ؟
إن الديكة العابرة لن تتذكر غير الريش!

أضع قدمي سهواً على الحجرة
التي دستِ عليها
فعثرتُ و تفتتْ
هناك أمنيات للناس
و أمنيات للحجر،
هناك طرق و انهار و صخور ناعمة
فلم لا أدوس
إلا على الحجرة
التي تلهم قدمي؟!

كان صغيراً مثل نجمة
بعيدة و هائلة
و عندما بدأت تنزل الأمطار
تكونت البرك و البحيرات
فبدا قلبي يلمع
من أي نافذة على الماء.
كان عندئذ بصركِ و مأواكِ
مظلتك و طريقك و مصيرك السيء.
بدأ قلبي
يكبر و يتجرح
و بدأت الحكايات تتلاشى
هكذا هي الحياة برمتها
عندما تجف البحيرات
تضيع تواريخ كثيرة
و يثقل وزن الأرض !

كنا عائلة من أربعين شخصاً
لكنهم بدأوا يتلاشون
مثل أشعة العين.
نغمض عينينا فيختفي أحدهم
إلى أن ظللنا
شخصين
كما نحن الآن .
أنتِ تحبينني مستندة على كتفي
و أحبك
إلى الحد الذي لا أستطيع به
أن أغمض عيني!

لا نُمزج أيامنا كما نمزج
قصاصات متفاوتة اللون
ولو حدث ذلك
فلن نتبرم من الزمن كما العشاق في العالم
ها أنا أرج
العلبة
لأخرج لك يوماً ملائماً
ثم أرجها ثانية
لأحبك قليلاً
في مثل هذا اليوم !

في الحديقة سنتمشى معاً
لكن لن أسمح لك
أن تضعي يدكِ على يدي
هذا أمر مؤذٍ
أصابعي تبكي و لا أفضّل أن أدعها
تسترسل
لأن الدموع لا يمكنها
أن تصعد إلى مكان عالٍ.
آه ما أعظم هذا الورد
الذي لا يفعل شيئاً.
آه ما أحن المقاعد الحجرية
و ما أبشع مصير النافورات !
عامر الطيب


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى