إبراهيم قيس جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت] -19- عَن دُعاة الموت

[19]
عَن دُعاة الموت

هذا القسم عبارة عن تصنيف لدُعاة الموت والمكرّزين له. فداخل هذه الفئة نجد ثلاثة أجناس أساسية: المتديّنون والمتشائمون والمُجهَدون. النوع ألأول تمّ التحدّث عنه مفصّلاً في الديباجة، القسم الثالث، أمّا المتشائمون فيتجسّدون في الفيلسوف آرثر شوبنهاور (الذي تأثّر به نيتشه بشدّة في أعماله المبكرة)، والذي كانت السّمة الأساسية للحياة عنده هي الكفاح المتواصل والألم والمعاناة اللانهائية والعبثية. ويظهر شوبنهاور لاحقاً باسم "العَرّاف". والمتشائمون حكمتهم تقول ((أحمقٌ هو من يظلّ على قيد الحياة، لكننا على غاية من الحُمق! وذلك بالضبط هو الأكثر حمقاً في الحياة!))، عن موضوع "الحياة" والعلاقة التي يقيمها نيتشه بين الحياة والحكمة، والحياة والحمق انظر فصل "نشيد للرقص" و"نشيد آخر للرقص". وكذلك كتاب "غسق الأوثان"، فصل تسكّعات رجل غير ملائم للعصر، الفقرة 17: ((إنّ ذوي العقول الأرفع، وبشرط أن يكونوا أكثر الناس شجاعةً، يعيشون أيضاً أكثر المآسي ألَماً، إلا أنهم ومن أجل ذلك بالذات يجلّون الحياة لأنها تمنحهم صداميّة أكبر الخصوم))
ويظهر النوع الثالث "المُجهَدون" أو الكادحون في نهاية المقطع، ويشير نيتشه بذلك إلى المواطنين الأوروبيين المعاصرين الذين يراهم من حوله ("حتى أنتم"). ينخرط الكادحون أو المُجهَدون في "عملٍ شاق" ولكن فقط لأنهم يؤثرون كمنا يؤثرون كل سريع وكل جديد وكل غريب. فحياتهم ليست سوى رحلة قصيرة من لحظة آنية لأخرى. ((إنكم لاتستطيعون تحمّلَ أنفسكم، وما اجتهادكم سوى لعنة وإرادة مَلاص من الذات))، إنّهم ينتقلون من حاضر لحظي إلى آخر، دون إحساسٍ مناسب وواعٍ بالمستقبل أو بالماضي أو معنى الوجود والحياة، وكل ذلك يسمّيه زرادشت "تعب من الحياة"، وتوق مستمرّ إلى الموت. هؤلاء الذين يقولون "عذابٌ، ولاشيء سوى عذابٌ هي الحياة"، وهذه إشارة إلى مايرد في الأناجيل، المزامير على سبيل المثل، المزمور 90 (صلوات لموسى رجل الله): 10-11((أيام سنيناً سبعون سنة، وإن كانت مع القوّة ثمانون سنة وأفخرها تَعَبٌ وبليّةٌ))
سنناقش هذه الأفكار بشكل أكثر تفصيلاً في فصل "عن ذباب السوق". كما أنّنا لا يجب أن نغفل عن مقارنة هذا الجنس من البشر بالبشر الأخيرين في الديباجة، الفصل الخامس. والنكتة هنا هي أنّه يجب اعتبار هذه الأجناس الثلاثة معاً جزءاً من نفس العائلة أو الفصيلة: ((ذلك عندي سيّان، _لكن بشرط أن يُسرِعوا فقط بالرحيل)). نظراً لأنّ جميع القيم هي وظائف أساسية للحياة، فوظيفة الحياة هنا هي تخليص الأرض من الأشياء الزائدة عن الحاجة أو "الفائضون عن اللزوم"، والتي تشكّل هذه العائلة من الدعاة جزءاً منها.
إبراهيم قيس جركس 2020
Ibraheen K Jarkass

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى