د. صبرى محمد خليل خيرى - مؤشرات بداية عصر ظهور الإرادة الشعبية العربية

تمهيد
(ملخص الدراسة) :

تهدف الدراسة إلى إثبات انه رغم أن النظام السياسي العربي ، وخلال الفترة الممتدة منذ عام 1970 والى الآن، قد وصل إلى ادني درجات التردي ، فتدنى إلى مزيد من التجزئة ” التفتيت الطائفي “، إلى درجه تزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى ، الا أن هذا التعطيل للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي- قد فتح المجال أمام مرحله جديدة من مراحل تفعيلها – على المستوى الشعبي – هي مرحله” ظهور” الاراده الشعبية العربية ( اى وضوح اثر فاعليته للرائي) ، بعد أن كانت”مختفية “(اى لم يكن اثر فاعليتها واضحا للرائي) في مرحله تفعيلها السابقة، وهى مرحله التفعيل الزعامي، و التي شكلت القسم الأكبر من تاريخها ، و التي انتهت عام 1970 بوفاة جمال عبد الناصر”آخر زعيم قومي للامه العربية”، والتي كانت فاعليتها خلالها متحققة ، ولكنها مختفية خلف زعمائها– أبطالها التاريخيين ، والذين حققت اغلب انجازاتها التاريخية بتوحدها خلفهم . وتشمل مرحله ظهور الاراده ألشعبيه العربية مرحلتين من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية – على المستوى الشعبي – ،المرحلة الأولى هي مرحله التفعيل التلقائي ، والتي أخذت شكل رد الفعل العاطفي الانفعالي ، ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي ، وهذه المرحلة – على وجه الإجمال- بمثابة مؤشر لبداية عصر “ظهور” الاراده الشعبية العربية، كما أن الانتصارات التي حققتها الاراده الشعبية العربية خلالها ، بدون أن يمثلها أو يعبر عنها أو يسعى لتحقيق أهدافها اى نظام سياسي معين ، – على وجه التفصيل – بمثابة مؤشرات لبداية هذا العصر، والمرحلة الثانية هي مرحله التفعيل ألقصدي ، والتي تتجاوز رد الفعل العاطفي – التلقائي/ المؤقت- إلى الفعل العقلاني- المستمر – المنظم / المؤسساتي- السلمي، والتي تقتضى الدرجة التي وصل إليها تردى النظام السياسي العربي”تزايد احتمال انزلاقه نحو الفوضى” ، ضرورة ارتقاء الاراده الشعبية العربية إليها، بالالتزام بشروط تفعيلها ،والتي أتاح تطور وسائل الاتصال و الإعلام” الخاصية التفاعلية ” امكانيه الارتقاء إليها ، وهذه المرحلة التي ستمثل عصر الظهور ” الحقيقي” للاراده الشعبية العربية.
مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي: لا خلاف على أن الفترة الممتدة منذ عام 1970 (عام وفاه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر”رحمه الله”، وتولى الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات السلطة خلفا له ) ، والى الآن “2016 “هي مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي ، وهى المرحلة التي بدأت بمحاوله الرئيس السادات الارتداد “السياسي “عن مجمل سياسيات الزعيم الراحل- المتسقة مع أهداف الاراده الشعبية العربية – بدعم من الغرب بقياده الولايات المتحدة الامريكيه- من مناهضه الاستعمار القديم والجديد والاستيطاني، إلى التبعية للولايات المتحدة الامريكيه، وتوقيع اتفاقيه سلام مع الكيان الصهيوني”كامب ديفيد”، من أقامه تنميه مستقلة وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلى تطبيق النظام الاقتصادي الراسمالى، تحت شعار الانفتاح الاقتصادي ،ومن التضامن العربي ، إلى قطع العلاقات مع الدول العربية، ثم سير عدد من الانظمه العربية في نفس هذا الخط.، ووصلت هذه المرحلة إلى تردى النظام السياسي العربي من التجزئة” الشعوبية الى مزيد من التجزئة” التفتيت” الطائفي “، إلى درجه تزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى، والتي بدأت بالفعل في بعض أجزائه التي تتصف بضعف الروابط الوطنية والقومية ، لشيوع الطائفية أو القبلية أو العشائرية فيها.
الاراده الشعبية العربية من الخفاء إلى الظهور: كما أن هذا التعطيل –للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي- قد فتح المجال أمام مرحله جديدة من مراحل تفعيلها – على المستوى الشعبي – هي مرحله” ظهور” الاراده الشعبية العربية ( اى وضوح اثر فاعليته للرائي) ، بعد أن كانت”مختفية “(اى لم يكن اثر فاعليتها واضحا للرائي) في مرحله تفعيلها السابقة، وهى مرحله التفعيل الزعامي، و التي شكلت القسم الأكبر من تاريخها ، و التي انتهت عام 1970 بوفاة جمال عبد الناصر”آخر زعيم قومي للامه العربية”، والتي كانت فاعليتها خلالها متحققة ، ولكنها مختفية خلف زعمائها– أبطالها التاريخيين ، والذين حققت اغلب انجازاتها التاريخية بتوحدها خلفهم . ولا يعنى انتهاء مرحله التفعيل الزعامي انقضاء دور الزعماء في تفعيل الاراده الشعبية ،ويكن يعنى ان هذا الدور يجب أن يأخذ شكل آخر مضمونه ان يتحول هؤلاء الزعماء إلى رموز تاريخيه ملهمه الاراده الشعبية العربية، وتتوحد فيها الاراده الشعبية العربية حول الأهداف التي سعى لتحقيقها هؤلاء الزعماء – والتي هي ذات أهدافها – وليس خلف أشخاصهم .
مرحلتا ظهور الاراده الشعبية العربية: وتشمل مرحله ظهور الاراده الشعبية العربية مرحلتين من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية – على المستوى الشعبي –
مرحله التفعيل التلقائي وبداية عصر ظهور الاراده الشعبية العربية: المرحلة الأولى هي مرحله التفعيل التلقائي ، والتي أخذت شكل رد الفعل العاطفي الانفعالي ، ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي ، وهذه المرحلة – على وجه الإجمال- بمثابة مؤشر لبداية عصر “ظهور” الاراده الشعبية العربية، كما أن الانتصارات التي حققتها الاراده الشعبية العربية خلالها ، بدون أن يمثلها أو يعبر عنها أو يسعى لتحقيق أهدافها اى نظام سياسي معين ، – على وجه التفصيل – بمثابة مؤشرات لبداية هذا العصر، وفيا يلي نعرض لبعض هذه الانتصارات:
الانتفاضات والثورات الشعبية السلمية ، ضد تطبيق العديد من انظمه العربية النظام الاقتصادي الراسمالى، تحت شعارات “الخصخصة والتحرير والانفتاح والإصلاح الاقتصادي.. وأشهرها:ا/ الانتفاضة الشعبية المصرية ضد سياسة الانفتاح الاقتصادي 1977 .ب/الانتفاضة الشعبية السودانية ابريل 1985، ضد سياسات نظام نميرى في مرحلته الاخيره ، ألقائمه على تطبيق السياسات الاقتصادية الراسماليه لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التى أفقرت الشعب السوداني ، ورهن الاراده السياسية لأمريكا، وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني – سرا – والذي بلغ مرحله الخيانة القومية بترحيل اليهود الفلاشا ” ، والتي انتهت بإسقاط هذا النظام .

المقاطعة الشعبية العربية للكيان الصهيوني ومناهضه التطبيع معه.
استمرار المقاومة الشعبية الفلسطينية لهضم الكيان الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني ، ممثله في الانتفاضات الشعبية الفلسطينية الثلاثة: انتفاضة أطفال الحجارة عام 1987 والتي أجبرت الكيان الصهيوني على الاعتراف بالسلطة الفلسطينية . ثم انتفاضة الأقصى عام 2000, والتي أدت إلى تعاطف العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو ما اثمر اعتراف العديد من الدول بالسلطة الفلسطينية . ثم ثوره السكاكين 2015, والتي أربكت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل الكيان الإسرائيلي.
المقاومة الوطنية اللبنانية للاعتداء الصهيوني على لبنان، والتي نجحت في طرد الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان عام 2002.
نجاح المقاومة الوطنية العراقية ، فى توجيه ضربات قاضمه له ، قبل أن تعمل أمريكا وحلفائها على تحويل الصراع من صراع بين محتل ومقاوم ، إلى صراع طائفي بين ألسنه والشيعة .
  • ثوره الشباب العربى بموجتيها. الموجه الأولى التى تتمثل في سلسله الانتفاضات الشعبية العربية شبه المتزامنة ، التي كان طليعتها الشباب ، وكانت أداه الإعلام بها والتعبئة فيها الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فيه ، والتي اندلعت شرارتها الأولى في تونس ، ومنها انتقلت إلى مصر( تحت شعار "عيش ، حريه، عداله" ) ، والتي نجحت في إسقاط عدد من الانظمه العربية الاستبدادية سلميا ،وبأساليب التغيير السياسي الديموقراطى، قبل أن تنجح القوى والنظم العالميه والاقليميه والمحليه ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية ، في تحويل مسارها في دول عربية أخرى ، من المسار الجماهيري السلمي ،إلى مسار طائفي مسلح "دموي (سوريا، ليبيا،اليمن..)، بهدف تشويه صوره هذه الثورة الشعبية السلمية، ومن ثم منع انتقالها إلى دول أخرى. و الموجه الثانيه والتى تتمثل فى الحراك الشعبي السلمي والذي طليعته الشباب أيضا، في العديد من الدول العربية كالسودان" ثوره 19 ديسمبر 2018" والجزائر، والحراك الشعبي المطلبى في المغرب وتونس والأردن ولبنان والعراق ... والذى تعمل القوى والنظم " العالميه والاقليميه والمحليه"، ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية على اجهاضه وافراغه من مضمونه، من خلال العديد من الاساليب ، واهمها اجراء تغيير شكلى يشمل تغيير الاشخاص ، دون اى تغيير حقيقى للسياسات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه.. التى تتعارض مع اهداف الاراده الشعبيه العربيه.​
مرحله التفعيل ألقصدي وعصر الظهور ” الحقيقي” للاراده الشعبية العربية : والمرحلة الثانية من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية ، هي مرحله التفعيل ألقصدي ، والتي تتجاوز رد الفعل العاطفي – التلقائي/ المؤقت- إلى الفعل العقلاني- المستمر – المنظم / المؤسساتي- السلمي، والتي أتاح تطور وسائل الاتصال و الإعلام” الخاصية التفاعلية ” امكانيه الارتقاء إليها، والتي تقتضى الدرجة التي وصل إليها تردى النظام السياسي العربي، ضرورة ارتقاء الاراده الشعبية العربية إليها ، وهذه المرحلة من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية هي التي ستمثل عصر الظهور ” الحقيقي” للاراده الشعبية العربية.
من اليات التفعيل القصدى :
الارتقاء بالوعي الشعبي العربي”الديني ، السياسي ، الثقافي…”باعتبار أن الوعي شرط الاراده.

محاربه أنماط التفكير الخرافي والاسطورى والبدعى ، والالتزام بأنماط التفكير العلمي والعقلاني – التي لا تتناقض مع الوعي- والفهم الصحيح للدين.
توظيف الخاصية التفاعلية ، التي تميز هذه المرحلة من مراحل تطور وسائل الإعلام والاتصال، في الارتقاء بالاراده الشعبية العربية، من مرحله التفعيل التلقائي إلى مرحله التفعيل القصدى،من خلال ترقيه الوعي الشعبي واتاحه الفرصة للاراده الشعبية للتعبير عن ذاتها ، ومحاربه محاولات توظيفها لتعطيل الاراده الشعبية العربية من خلال الانحطاط بالوعي الشعبي ،وتزييف الاراده الشعبية .
قيام الاراده الشعبية العربية بكل الخطوات الممكنة تجاه أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية والحرية والاصاله والمعاصرة ،على المستوى الشعبي قبل المستوى الرسمي.
إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة “التفتيت “، مع ما يلزم من ذلك من زيادة احتمالات انزلاقه نحو الفوضى،يقتضى عدم السكوت عن هذا التردي ، أو محاوله إيقافه باستخدام العنف ضد النظام السياسي العربي ، بل العمل على إيقاف هذا التردي بأساليب سلميه، وذلك بضغط الاراده الشعبية العربية على النظام السياسي العربي بأجزائه المتعددة – بأساليب سلميه – بهدف دفعه نحو التوافق “المشاركة” ، والإصلاح ” التغيير السلمي التدريجي ” – بشرط بعدم اكتمال توافر الشروط الذاتية والموضوعية” للثورة في الجزء المعين- مع الالتزام بالسلمية حتى في الحالة الاخيره “اى حاله توافر شروط الثورة “.
يمكن مشاهده حلقه بعنوان (عصر ظهور الاراده الشعبيه العربيه)، من برنامج مفاهيم وقضايا ، للدكتور صبرى محمد خليل، على قناه اليوتيوب (التلفزيون العروبى) الكويتيه ، على الرابط التالى:

د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى