حمزة باشر - وطن من شراشف الكلمات.. شعر

تبدو
لوهلة تصير السماء مدنا
وتتقاطر من أعنتها
ألحانا
تهبط في رؤوس البشر
كغيمة تمشي
تلك الآلات الموسيقية
تُحدث، ولا تُحرِك شيئا
تُسمِع، ولا تَقُول شيئا
فذاك اللحن الطاغي
يحضر
في عُباب الذكرى، تتمرن أغنية التشرد
تكتب بارقة، ولا تجود بالمعنى
تغوص في العدم، تلك الأشجار الكالحة
تلعب، حتى تتساقط
تغني ملء جفونها
وترسم لوحة وطن من لحن شفاف

الآن
ثمة مدنا تمد جسدي بالأرض
تتجذر فيّ أشجار البراري
ترسمني لوحة بهية، تلك النسمة
تظللني، سحابة تبحث عن مأوى
والزهور، محفظة بقية العمر
نغمات من أسى، هو المطر
ضجرا يهب منتصرا، ذاك التراب
يرسم في بطن الارض
ماما
أفريقيا
أجنحة زرقاء، تلف الغراب
شراشف خضراء، تضم الفؤاد
قصيدة من فرح، تُولد الحب
والبلد، موضع قدم، ومنفى
زمن، يعلّم اسمه مدار الوقت
ويرفع الثقل من كاهل الأيام

تبدأ لحظة الموتى
تدق خطى الأنفاس الحائرة
مسمارا من أيقونة الكلمات
يحفر عميقا في الذاكرة
ذاك الجسد المريض
يحمّل أوزاره للزمن
يتلصص خلف أقنعة البياض
ليظهر،
كالندى يؤرخ لحظة استسلام الورد
كل شيء يبدو مألوفا وعصيّا
أن تكتب لحظة استشهاد زهرة
سقطت أسيرة نسمات الصباح

أن تشهد انحدار الزمن
هو لعبة العقارب المعكوسة
طيف يحرك نغمة الأجراس
وذاك الطفل العاري
يستلقي على ظهره
ليعانق الفضاء

يردد:
لا تكتبوا عنّي
فالحبر حفنة من لعاب سال
وتلك المخمصة
كتاب يحفظ دقات الزمن

كزنجي..
يعيد تشكيل تمرده
أسحب شجني من "مزرعة الحيوان"
وأغرسه في "الأشياء المتداعية"
فلاح يرقص في وهج الشمس
امرأة تتحدى شيخوخة العمر
طفل يفترش سنين التعب
وصبية تتمرن في لهب الغابات
وسيد يبعثر تلك الأشياء
يعدل ترنيمة الوقت
يفتح نافذة من ركن جديد
يطل فيها من علِ
ويجر تلك الأشياء
لتفكر من نافذتها الجديدة
دون مذكرات العودة إلى الوطن

الآن
ثمة جسد يجمعنا
جسدي المضمحل
وجسد بلادي الآفلة
جسدان من زمن شفاف
يلمع فيهما برق يلوح من الأفق
هنا...
أشياء تتداعي، زهرة الكركديه الارجوانية
كراس العودة للوطن، معذبو الأرض
آكيه، سنوات الطفولة، موسم الفوضى،
اولاد حارتنا، ونصف شمس صفراء
اغنيات الظل، قرابين سوداء....
هنا...
غابة من الابنوس، شلال من الرمال
موج خفيف يُسكر فتاة ما
فتمشي على أصعابها
خشية أن تذيب الندى
فيحزن اكثر
هنا....
كلمات من لحن خفي
ووطن تغلفه أغنية زنجية
وحين تدق الطبول
يبدأ زمن اللحظات الراهنة
فيذيب كل شيء
في مدارات الحقول
هنا...
تتشظى لغة الكلام
ويمتد لساني خارج السرب
يحلق عاليا
في وجه السيد
في وجه الإله ليتلكم عن التفاهة
في وجه التاريخ
هنا...
الجسد يحكي صورته
هنا...
لساني من رغيف لا يملّ
هنا...
حيث تسكن أوجاع الألم، والأنين
حيث هنا...
وطن من شراشف الكلمات

حمزة باشر / شاعر تشادي




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى