حسين الباز - ما معنى الشعر؟..

شعر مصدر شعر وهو ما ينبت في جسم الإنسان ، شعر يشعر شعورا فهو شاعر وشعر فلان أي قال شعرا.
قمنا أولا بتفكيك المصدر بغية تحديد غاية الفاعل ، في محاولة لفك لغز معنى الشعر ولو بالمقاربة ، علما منا بعجز فلاسفة ولغويين في تحديد سماته وأفعاله قديما وحديثا ، ولم تك لحد الآن سوى تأويلات أو تكهنات ، وقد ذهب البعض إلى استحالة تحديد معناه وحصره، لهذا ظل تفسيره متشعبا كجذوع الشجر أو كخيوط الشعر النابتة في مسام الجسم / الشعر..
هذا الأخير (الشعر النابت في الجسم) له علاقة بالحواس الخمس ، لذا فهو يتوقف/ يتشوك تلقائيا تفاعلا مع شيء رآه أو سمعه أو لمسه أو تذوقه أو شمه ، من هنا استدركنا غاية الاستدراك التقاربي مع الشعور الآخر الذي يشعره الشاعر والحالة الشعورية للمتلقي أثناء سماعه للشعر.
علاقة الأدب بالحواس علاقة وطيدة، ولا يمكن تفريقهما البتة، وكل ما ينبع من الفؤاد فهو شعر وكل ما ينبع من العقل فهو علم ، بما فيه علم العروض، لأنه يتعارض مع الشعر بمجرد إقحام العقل فيه ، وأينما تدخلت التكلفة ابتعد الوهج المتدفق لحظة الإبداع.
جاء في القرآن كلمة ترتيل، رتل ترتيلا ، والترتيل أقرب إلى التجويد بالإيقاع ، من التفعيل بالوزن ، رغم ذهاب بعضهم (سامحهم الله) إلى وزن آيات القرآن لبحور ، وهذا إجحاف في حق كلام الله الموزون بميزانه ، كما أن إرغام الشعر /الشاعر على اتباع منهج/نمط حدده له غيره لهو تسلط بعينه، إذ لا يعقل أبدا أن نرغم شاعرا بشطب بيت شعري معناه شمولي لمجرد عدم اتباعه الوزن التقليدي، ليأتي بالشكل على حساب المضمون.
كل ما يطرب ويدغدغ شعر الجسم فهو شعر ، وما عداه فهو نثر وإن كان موزونا بالعروض، فقط لأنه لا يوقظ مشاعر الحواس.
حسين الباز/ المغرب
احسنت وانا كنت قد خضتُ في ذات الموضوع بتوسعة التدليل على فاعلية الشعر و موقفية الشاعر الحقيقي من ( الآخر ) فهو اكبر من ( تعريفه اللغوي ) ووهنا اعيد نشره للتنأكيد على ذلك مع الاعتزاز
{ رأي موضوعي : الشاعرالحقيقي و الآخر الشمولي } ...
بدءاً سأتطرق ، على عجالة ، لماهية الشعور وتلازمه المعنوي مع الذات الشاعرية .
يمكن ايجاز مفهوم الشعور الذي اتفقت عليه المصادر المعرفية ذات الصلة، بأنه :
رد فعل ( حس ـ فكري ) يصدرعمن تثيره احداث / مثيرات ، داخلية ذاتية ، و خارجية موضوعية ، ويكون رد فعله وفق آلية ( استجابة / لااستجابة ) ، تحدده
بنية شخصيته ( السايكو ـ عقلية ) ، وهي آلية مشتركة لدى سائر البشر ، الا انها تكون اكثر (انفعالية / فاعلية) ، في الذات المرهفة الحس ، ومنها ذات الشاعر ، الذي
( يترجم ) ردود افعاله عن تلك المثيرات ، في ( خطاب شعري ). والمثيرات
الموضوعية الخارجية ، ( سأستثني تلك الطبيعية / زلازل ، اوبئة .... ألخ ) ، هي
مثيرات آخروية بكل مايعنيه ( الآخر ) من دلالات مكزمانية سلطوية مؤسساتية ( السياسية، الدينية ، الجمعية / الأعراف ،التقاليد والماقبلية الإرثية ، وماشابه) ، وكثرما تتحالف هذه السلطات ، مع بعضها البعض لتهيمن على الوعي والسلوك الفردي
وتقهره خدمة لديمومة سلطتها، تحت مفاهيم شتى اكثرها شيوعاً في مجتمعنا ( القدسية ، الشرعية / الانتخابية ، الوراثية ) لضمان خضوع الفرد لإرادتها ،عدم تمرده على ( ضوابطها ومحرماتها ) المقننة ، ليكما يكون الخروج عنها مقروناً بالعقوبات والأذى والتغييب سجناً او نفياً ..الخ، وتتنوع اشكال هذه السلطات ، فمنها الشمولية التسلطية الفردية ( حكم الفرد )، العائلية او الحزبية ( حكم الحزب الواحد ) ، والشمولية مهما حاولت تجميل وجه تفردها بالسلطة ، تبقى قاهرةً لنوازع الفرد
التحررية ، ولاسيما الفنان ، واخص الشاعر بمقالي هذا ، كون ان الذات الشاعرية متمردة بطبعها على كل قيد يحول دون تحليقها في فضاءات الحرية اللامتناهية الافاق ..فهي ذات متسامية ، مترفعة عن دونيات الخضوع والتبعية لغيرها ،
والشاعر قبل قيامه بفعل ترجمته ردود افعاله عما يثيره خارجياً ، يكون قد اتخذ قراراً بهذا الشأن ( اي انه قرر كتابة خطابه الشعري قبل الشروع بفعل الكتابة ) وهو هنا اتخذ ذلك القرار إما مختاراً ( بمحض ارادته ) ، او اضطراراً ( انصياعاً لإرادة الآخر) ،
و قراره في الحالتين يعني :
انه اتخذ موقفأً ( مستجيباً / قابلاً) ، او( لامستجيباً / رافضاً ) من تلك المثيرات السلطوية وآثارها في الواقع الموضوعي ( المجتمع )، ويترتب على كل موقف ، علاقة ( ايجابية / سلبية ) بين المُثار والمثير وكما في الجدول التالي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقف الشاعر (المُثار ) // رد فعل الآخر ( المثير ) // العلاقة بينهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ//ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ//ـــــــــــــــــــــــ
1ـ استجابة للقهر .........// رضا ( ايجابي) ........// تلاق وتلاؤم / سلام
...استجابة للمقهور.........// غضب ( سلبي) ........// تقاطع وتعارض / صِدام
.............//..........//.............
2ـ لااستجابة للمقهور........// ايجابي ...............//.. سلام
لااستجابة للقاهر........... // سلبي ................//. صِدام
الموجز الدلالي :
الشاعر الذي يتخذ موقفاً ايجابياً من ( الاخر ) المتحكم بظرفه المكزماني الموضوعي
( اي انه يقرر القبول به و التلاؤم معه ) ، يكون في حالة سلام معه ,
اما الشاعر ذو الموقف السلبي منه ، الرافض والمتعارض معه فسيكون مصطدما به.
فما مقياس ( القبول / الرفض ) هنا ، وعلى اية اسس ( فكر ـ حسية ) تستند مواقف
الشعراء تلك ؟
لما كانت ذات الشاعر الحقيقي ( متسامية ، مترفعة عن دونيات الخضوع والتبعية لغيرها ) ، كما اسلفت ، فيكون الانتصار لقيم ( الجمال ، الحق ، الصدق، ومرادفاتها ) هو مقياس ( القبول / الرفض ) ، في مواقفه ، وان اردنا ايجاد القيمة المتلازمة معنوياً مع القيم الآنفة الذكر ، نجد انها ( الانتصار للانسان )، اذاً :
الشاعر الحقيقي = الانسان الحقيقي
الانسان الحقيقي = انسانا حر الوعي ، صادق المشاعر
ومن كان حر الوعي يكون متقاطعا في موقفه ، مع الاخر الشمولي السلطة ، لان البنية الفكرية لهذه السلطة اقصائية ، قاهرة و قامعة لمن يعارضها ولايوافقها ايديولوجيتها ، .
لذا الشاعر الحقيقي = انسانا حر الوعي ، صادقاً وذا موقف متقاطع مع الآخر المستبد الشمولي
ــ باسم عبد الكريم العراقي ـ
البصرة / تموز 2018
باسم عبد الكريم العراقي / العراق



أعلى