أمل الكردفاني - الإمام ابن حزم.. وحجة مُحلاه

التاريخ لا ينصف إلا الاقوياء، فشخصية مثل بهبوذ تم قمع تركتها التاريخية العظيمة، رغم أن بهبوذ هو أول عربي حر أنشأ مملكة قوية للعبيد. واستطاعت مملكته تهديد العباسيين والترك، وتوسعت، واستطاعت استقطاب كل عبيد الإمبراطورية الإسلامية ليكونوا مواطنين احرار فيها.
وبذات القدر يتم تبخيس قدرات الإمام ابن حزم، ويعدونه ركنا من اركان المذهب الظاهري. وبالرغم من ذلك فمن يقرأ لابن حزم، يجده أكثر قوة فقهية من الأئمة الأربعة، وأقواهم حجة، بل وفوق هذا فهو أكثرهم خبرة في علوم الحديث، فأقواهم في الجرح والتعديل مما جعل فقهه قوي البنية، عظيم الشأن، غير أن العوام من الناس، يعرفون ابن حنبل والإمام مالك وأبا حنيفة والشافعي، ونادراً ما يلقون بالاً للإمام ابن حزم.
والحق انني قرأت مجلده الموسوعي في الفقه، فوجدته أول من استخدم القواعد العامة، قبل الفقهاء الوضعيين، ونجد من ذلك مسؤولية المخمور الشرعية والجنائية على حد سواء، ونجد أنه لم يكن ظاهرياً بالمعنى التسفيهي، بل كان أيضاً قوياً في الحجة العقلية بل وفي القياس الذي يشيعون رفضه له، وأذكر أنه لما أجمع الفقهاء على عدم قطع يد سارق الصليب الذهب، بحجة أن الصليب يعبد شركا بالله، قال متهكماً وكذلك البعض يعبدون البقر. وحجته قوية فالسارق لا يسرق هنا الصليب المعبود (اي الصورة) بل الذهب. ولو كل ما عُبدت صورته لم يقطع فيه، لكانت أغلب الأشياء غير متقومة وبغير حماية. ذلك أن الإنسان لم يترك شيئاً إلا وعبده منذ عهد عبادة الطوطم وحتى الراستفاري الذين عبدوا هيلا سلاسي باعتباره تجسداً للإله جاه.
وابن حزم كما ألف كتابه الموسوعي في الفقه وهو "المحلى" وأيضاً في أصول الفقه وغير ذلك من علوم الدين؛ ألف كذلك في الحب والعشق، ومن أوائل من قالوا بكروية الأرض.
لقد كان الامام ابن حزم كما نقول بالعامية (ابن ناس)، فوالده وزير، وهو من الأسر المثقفة في الاندلس. ولذلك لم يستطع مواجهة الدسائس التي حيكت ضده، حتى وقع في فخ الرعاع والرجرجة والدهماء. وهذه مأساة متجددة في المجتمعات. إذ ينتصر الأجلاف لتعودهم على خباثة الطوية وانعدام وازع الضمير، وتهافتهم على المناصب، كما يحدث من أجلافنا اليوم.
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى