ماجد سليمان - حِكَايَةُ ليلتين

يُحكى أنّه في ليلة من ليالي آذار، أتى نَغَمٌ من مكان في الخلف، حين أقبل عاشق إلى معشوقته، وفي يديه قدحٌ نحاسيٌّ، رآها نحيلة تلبس غلالة نومٍ شفّافة، تلاقت تمتماتهما الحذرة مع قهقهاتهما الصاخبة، عندها زَحَفَت أنامله اليمنى فوق عنقها كتيارٍ كهربائيّ، فرجاها أن تراقصه فراقصته، فشدّت ثوبها المنحسرعن ساقيها هرباً من بصره السارق. ومضى يشبك يديه على ردفيها، فتناهى صوتها عميقاً تحمله رِقّةٌ مُتخمةٌ بالودّ، فَتَهَالك في حُبّها، مُلقياً بنفسه على قوامها حتّى دَفَقَ الضياء خيوطه.
وفي الليلةِ التالية القائضة، أعادا ما فعلاه الليلة الماضية، خَضّبت يدها وذراعها بالحنَّاء الأسود، وَبَخّرت شعرها الفاحم، وارتدت ثوباً يَشفُّ عن اللهب،فاستقبلته وكان قد شَرِب حتّى تلاشى عقله، فأدمى أنفها، وَشَرَمَ شفتها، وَتَرَكَ آثار أظفاره على كتفيها العاجيين، رفعت يدها محاولة حماية نفسها، كانت يده أشبه بماسورة لا يداً بشريّة، رمقته بعينيّ ذئبة جريحة، بلعت دماً ونظراتها عالقة في عينيه، ألصقت جبهتها في الحائط مستمعة إلى دفعه للباب بعنف، عابراً بخطواته الثقيلة الممرّ، ثم بأخرى متناهية على درج البناية نازلاً، فَشَرَعَت بعد ذلك تُحطّم كلّ أثاث شقتها.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي،
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى